الذي يتكرر أمام عيونكم كل يوم
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
و في الآية اللاحقة- و حتى لا يظن أحد أن نزول المطر على نمط واحد يدل على أنّ
جميع الأراضي تصير حيّة على نمط واحدا أيضا، و حتى يتّضح أنّ القابليات و
الاستعدادات متفاوته تسبّبت في أن تتفاوت حالات الاستفادة و الانتفاع بالمواهب
الإلهية يقول: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ
نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ أي أنّ الأرض
الصالحة هي التي تستفيد من المطر، و تثمر خير إثمار بإذن ربّها.
أمّا الأراضي السبخة و الخبيثة فلا تثمر إلّا بعض الأعشاب غير النافعة وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً. [1] هكذا يكون الأمر بالبعث، و إن كان سببا لعودة الحياة إلى جميع افراد البشر،
إلّا أنّ جميع الناس لا يحشرون على نمط واحد و هيئة واحدة، إنّهم مختلفون متفاوتون
في ذلك مثل تفاوت الأرض الحلوة، و الأرض المالحة، نعم يتفاوتون، و يكون هذا
التفاوت ناشئا من الأعمال و العقائد و النيات.
ثمّ في ختام الآية يقول تعالى: إنّ هذه الآيات نبيّنها لمن يشكرونها، و
يستفيدون من عبرها و مداليلها، و يسلكون في ضوئها سبيل الهداية كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ.
إن الآية الحاضرة- في الحقيقة- إشارة إلى مسألة مهمّة تتجلى في هذه الحياة و
في الحياة الأخرى في كل مكان، و هي أنّ فاعلية الفاعل وحدها لا تكفي للإثمار و
الإنتاج الصحيح المطلوب، بل لا بدّ من «قابلية القابل» فهي شرط للتأثير و الإثمار.
فإنّه ليس هناك شيء ألطف و أكثر بعثا للحياة و النشاط من حبات المطر، و لكن هذا
المطر نفسه الذي لا شك في لطافة طبعه، يورق و يورد في مكان، و ينبت الشوك و الحنظل
في مكان آخر.
[1] النّكد: هو البخيل الممسك الذي
يتعذر أخذ شيء منه بسهولة، و لو أنّه أعطى لأعطى الشيء اليسير الحقير. و لقد
شبهت الأراضي المالحة السبخة غير المساعدة للزرع بمثل هذا الشخص.