ثمّ يقول: إنّ هذه الرياح التي تهب من المحيطات تحمل معها سحبا ثقيلة مشبّعة
بالماء حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا.
ثمّ يسوق تلك السحب إلى الأراضي الظامئة اليابسة، و يكلفها بأن تروي تلك
العطاشي سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ.
و بذلك ينهمر ماء الحياة في كل مكان
فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ.
و بمعونة هذا الماء نخرج للبشر أنواعا متنوعة من الثمار و الفواكة فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ.
نعم، إنّ الشمس تسطع على المحيطات و البحار، فيتبخر الماء و يتصاعد البخار إلى
الأعلى، و هناك في الطبقات العالية الباردة من الجو يتراكم البخار و يشكل كتلا
ثقيلة من السحب، ثمّ تحمل الرياح كتل السحاب العظيمة على ظهرها، و تتوجه إلى
الأراضي التي كلفت بسقيها، فتجري بعض هذه الرياح قدام كتل السحاب، و تكون مزيجة
بشيء. من الرطوبة الخفيفة، فتحدث نسيما مريحا تستشم منه رائحة المطر اللذيذة
الباعثة للحياة و النشاط.
إنّها- في الحقيقة- المبشرات بنزول المطر، ثمّ ترسل كتل الغيم العظيمة حبات
المطر من بين ثناياها، لكنّها ليست بالكبيرة جدّا فتتلف الزروع و الأراضي، و لا
بالصغيرة جدّا فتضيع في الفضاء و لا تصل إلى الأرض، ثمّ تحط هذه الحبات على الأرض
برفق و هدوء، و تنفذ في ترابها شيئا فشيئا، فتنبت البذور و الحبات. و تبدل الأرض
المحترقة بالجفاف، و التي كانت أشبه شيء بمقبرة مظلمة و ساكنة و هامدة، إلى مركز
فعّال نابض بالحياة و الحركة، و تنشأ الجنائن الخضراء الغنية بالأزاهير و الثمار.
ثمّ عقيب ذلك يضيف فورا كَذلِكَ
نُخْرِجُ الْمَوْتى و نلبسهم حلّة الوجود و
الحياة مرّة أخرى.
و لقد أتينا بهذا المثال لأجل أن نريكم أنموذجا من المعاد في هذه الدنيا،