ثمّ إن سقوط الجزية عن الأطفال و الشيوخ و المقعدين و النساء و العمي، دليل
آخر على هذا الموضوع.
ممّا ذكرناه يتّضح أن الجزية إعانة مالية فحسب، يقدمها أهل الكتاب إزاء ما
يتحمله المسلمون من مسئولية في الحفاظ عليهم و على أموالهم.
فبناء على ذلك فإنّ من يزعم أنّ الجزية نوع من أنواع حق التسخير، لم يلتفت إلى
روحها و حكمتها و فلسفتها، و هي أن أهل الكتاب متى دخلوا في أهل الذمة فإنّ
الحكومة الإسلامية يجب عليها أن ترعاهم و تحافظ عليهم و تمنعهم من كل أذى أو سوء.
و هكذا فإنّ أهل الذمة عند دفعهم الجزية، بالإضافة إلى التمتع بالحياة مع المسلمين
في راحة و أمان فليس عليهم أي تعهد من المساهمة في القتال مع المسلمين و في جميع
الأمور الدفاعية- و يتّضح أن مسئوليتهم إزاء الحكومة الإسلامية أقل من المسلمين
بمراتب.
أي أنّهم يتمتعون بجميع المزايا في الحكومة الإسلامية بدفعهم مبلغا ضئيلا، و
يكونون سواء هم و المسلمون. في حين أنّهم لا يواجهون الأخطار و مشاكل الحرب.
و من الادلة التي تؤيد فلسفة هذا الموضوع، أنّه في المعاهدات التي كانت- في
صدر الإسلام بين المسلمين و أهل الكتاب في شأن الجزية، تصريح بأنّ على أهل الكتاب
أن يدفعوا الجزية، و في قبال ذلك على المسلمين أن يمنعوهم (أي يحفظوهم) و أن
يدافعوا عنهم إذا داهمهم العدو الخارجي.
و هذه المعاهدات كثيرة، و نورد مثلا منها، و هي المعاهدة التي تمت بين خالد بن
الوليد مع المسيحيين الذين كانوا يقطنون حول «الفرات»: