و يقول الطبرسي في مجمع البيان: كل ما ينفر منه الإنسان يقال عنه: إنّه نجس.
فلذلك فإنّ كلمة نجس تستعمل في موارد كثيرة- حتى في ما لا مفهوم للنجاسة
الظاهرية فيه- فمثلا يسمّي العرب الأمراض الصعبة المزمنة أو التي لا علاج لها ب
«النجس» كما يطلق على الشخص الشّرير، أو الساقط خلقيا، أو الشيخ الهرم، أنّه نجس.
و من هنا يتّضح أنّه مع ملاحظة ما جاء في الآية- محل البحث- لا يمكن الحكم
بأنّ إطلاق كلمة نجس على المشركين تعني أن أجسامهم قذرة كقذارة البول و الدم و
الخمر و ما إلى ذلك أو لعقيدتهم «الوثنية» فهي قذارة باطنية، و من هنا لا يمكن
الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار، بل ينبغي البحث عن أدلة أخرى.
ثمّ تعقب الآية على ذوي النظرة السطحية الذين كانوا يزعمون بأن المشركين إذا
انقطعوا عن المسجد الحرام ذهبت تجارتهم و غدوا فقراء معوزين فتقول وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ.
كما فعل ذلك سبحانه على خير وجه، فباتساع رقعة الإسلام في عصر النّبي صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم أخذ سيل الزائرين يتجه نحو بيت اللّه في مكّة، و ما زال
هذا الأمر مستمرا حتى عصرنا الحاضر حيث أصبحت مكّة في أحسن الظروف فهي بين سلسلة
جبال صخرية لا ماء فيها و لا زرع، لكنّها مدينة عامرة، و قد صارت بإذن اللّه مركزا
مهما للبيع و الشراء التجارة.
و يضيف القرآن في نهاية الآية قائلا:
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فكل ما يأمركم
به اللّه فهو وفق حكمته، و هو عليم بما سيؤول إليه أمره من نتائج مستقبلية، و هو
خبير بذلك.