الايمان و الذين يحجبهم التعلّق بالمال و الولد و الأزواج و ما إلى ذلك عن
الجهاد في سبيل اللّه، فلا ينبغي أن يقلق المؤمنون المخلصون من هذا الأمر، و عليهم
أن يواصلوا طريقهم، لأنّ اللّه لم يتخلّ عنهم يوم كانوا قلة، كما هو الحال في
معركة بدر، و لا يوم كانوا كثرة- ملء العين (كما في معركة حنين) و قد أعجبتهم
الكثرة فلم تغن عنهم شيئا، لكن اللّه سبحانه أنزل جنودا لم تروها، و عذب الذين
كفروا، فاللّه في الحالين ينصر المؤمنين و يرسل إليهم مدده ...
لهذا فإن الآية الأولى من الآيات محل البحث تقول لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ.
و المواطن جمع الموطن، و معناه المحل الذين يختاره الإنسان للسكن الدائم، أو
المؤّقت، إلّا أن من معانيه أيضا ساحة الحرب و المعركة، و ذلك لأنّ المقاتلين
يقيمون في مكان الحرب مدّة قصيرة أو طويلة أحيانا.
ثمّ تضيف الآية معقبة وَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ و كان جيش المسلمين يوم حنين زهاء اثني عشر ألفا، و قال بعض المؤرخين: كانوا
عشرة آلاف أو ثمانية آلاف، غير أنّ الرّوايات المشهورة تؤيد ما ذكرناه آنفا، إذ
تقول:
إنّهم كانوا اثني عشر ألفا، و هذا الرقم لم يسبق له مثيل في الحروب الإسلامية
قبل ذلك الحين، حتى اغترّ بعض المسلمين و قالوا: «لن نغلب اليوم».
إلّا أنّه- كما سنبيّن الموضوع في الحديث على غزوة حنين- قد فرّ كثير من
المسلمين ذلك اليوم، لكونهم جديدي عهد بالإسلام و لم يتوغل الإيمان في قلوبهم
فانكسر جيش المسلمين في البداية و كاد العدوّ أن يغلبهم لولا أن اللّه أنزل بلطفه
مدده و جنوده فنجّاهم.
و يصور القرآن هذه الهزيمة بقوله وَ ضاقَتْ
عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.