يعتمد عليه في الأسرار و معناها يشبه معنى البطانة تقريبا.
و في الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تنّبه المسلمين إلى أنّ الأعمال لا تكمل
بإظهار الإيمان فحسب، و لا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك، بل يعرف الناس باختبارهم عن
طريقين:
الأوّل: الجهاد في سبيل اللّه لغرض محو آثار الشرك و الوثنية.
الثاني: ترك أية علاقة أو أي تعاون مع المنافقين و الأعداء.
فالأوّل لدفع العدو الخارجي، و الثّاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي.
و جملة لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ التي قد يلاحظ نظيرها في بعض آيات القرآن الأخر، تعني أن
أمركم لم يتحقق بعد، و بتعبير آخر: إنّ نفي العلم هنا معناه نفي المعلوم، و يستعمل
مثل هذا التعبير في مواطن التأكيد. و إلّا فإنّ اللّه- طبقا للأدلة العقلية و صحيح
آيات القرآن الكثيرة- كان عالما بكل شيء، و سيبقى عالما بكل شيء.
و هذه الآية تشبه الآية الأولى من سورة العنكبوت، إذ تقول: الم* أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ.
و كما ذكرنا آنفا في تفسيرنا لسورة آل عمران أنّ اختبار اللّه لعباده ليس لكشف
أمر مجهول عنده، بل هو لتربيتهم و لأجل إنّما الاستعدادات و تجلّي الأسرار
الداخلية في الناس.
و تختتم الآية بما يدلّ على الإخطار و التأكيد وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ اللّه لا يعرف العلائق السرّية بين بعض الأفراد و
بين المنافقين، بل يعرف كل شيء جيدا و هو خبير بالأعمال كلها.
و يستفاد من سياق الآية أن بين المسلمين يؤمئذ من كان حديث العهد بالإسلام و لم
يكن على استعداد للجهاد، فيشمله هذا الكلام أمّا المجاهدون الصادقون فقد بيّنوا
مواقفهم في سوح الجهاد مرارا.