زفافها، لتفتدي بها زوجها، فلمّا وقعت عينا النّبي على تلك القلادة و تذكر
تضحية خديجة و جهادها، و تجسّدت مواقفها أمام عينيه،
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رحم
اللّه خديجة، فهذه قلادة جعلتها خديجة في جهاز بنتي زينب.
و وفقا لبعض الرّوايات فإنّه امتنع عن قبول القلادة احتراما لخديجة و إكراما،
و استجاز المسلمين في إرجاع القلادة، فأذنوا له أن يرجع القلادة إلى زينب، ثمّ
أطلق [1] النّبي
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سراح أبي العاص، شريطة أن يرسل ابنته زينب- التي
كانت قد تزوجت من أبي العاص قبل الإسلام- إلى المدينة، فوافق أبو العاص على هذا
الشرط و وفى به بعدئذ [2].
و على أية حال، فإنّ الآية محل البحث أجازت للمسلمين التصرف في غنائم المعركة،
و المبلغ الذي يأخذونه فداء من الأسير، فقالت: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً.
و يمكن أن تكون هذه الجملة ذات معنى واسع يشمل حتى الغنائم الأخرى غير الفداء.
ثمّ تأمرهم الآية بالتقوى فتقول: وَ
اتَّقُوا اللَّهَ. و هذا إشارة إلى أنّ جواز أخذ مثل هذه
الغنائم لا ينبغي أن يجعل هدف المجاهدين في المعركة هو جميع الغنائم و أن يأسروا
العدوّ حتى يأخذوا فداءه. و إذا كان في القلوب مثل هذه النيّات السيئة فعليهم أن
يطهروا قلوبهم منها، و يعدهم اللّه بالعفو عمّا مضى فتقول الآية:
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[1] ورد في الكامل لابن الأثير، ج 2،
ص 134 أنّه «فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رقّ لها رقة
شديدة و قال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها؟ و تردوا عليها الذي لها فافعلوا»،
فأطلقوا لها أسيرها و ردوا القلادة.