فتقول الآية الأولى من الآيات محل البحث: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى.
«العدوة» مأخوذة من «العدو» على زنة
«السّرو» و معناها في الأصل التجاوز، و لكنّها تطلق على أطراف كل شيء، و حواشيه،
لأنّها تتجاوز الحدّ الوسط إلى إحدى الجوانب، و جاءت هذه الكلمة في هذه الآية بهذا
المعني أي «الطرف، و الجانب».
«و الدنيا» مأخوذة من الدنّو، على وزن
العلوّ و تعني الأقرب، و يقابل هذا اللفظ الأقصى و القصوى.
و كان المسلمون في الجانب الشمالي من ميدان الحرب الذي هو أقرب إلى جهة
المدينة، و كان الأعداء في الجانب الجنوبي و هو الأبعد.
و يحتمل أن يكون المعنى هو أنّ المسلمين لاضطرارهم كانوا في القسم الأسفل في
الميدان، و كان الأعداء في القسم الأعلى منه و هو يعدّ ميزة لهم.
و كما رأينا من قبل فإنّ أبا سفيان حين علم بتحرّك المسلمين غيّر مسير قافلته
إلى جهة أخرى على جانب البحر الأحمر حتى صار قريبا من مكّة، و لو أنّ المسلمين لم
يضلّوا أثر القافلة فلعلهم كانوا يتبعونها، و لا يوفقون لمواجهة الأعداء و
منازلتهم في معركة بدر التي تحقق فيها النصر العظيم و الفتح المبين.
و بغض النظر عن كل ذلك فإنّ عدد قوات المسلمين و إمكاناتهم كان أقلّ من قوات
الأعداء من جميع الوجوه، لهذا فإنّ الآية الكريمة تقول: وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ.
لأنّ الكثير منكم سيدركون ضعفهم الظاهري قبال الأعداء فيتقاعسون عن قتالهم، و
لكن اللّه جعلكم إزاء أمر مقدر، و كما تقول الآية: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ