الدينية و المساجد فإنّ سدنتها ينبغي أن يكونوا من أطهر الناس و أتقاهم و
أورعهم و أكثرهم اهتماما بالمحافظة على مراكز العبادة، ليجعلوها منطلقا للتعليم و
بثّ الوعي و الإيقاظ. إذ لا يصلح لإدارة هذه المراكز حفنة من الحمقى أو باعة
الضمائر الملوّثين و المرتبطين بالأجانب، الذين يسعون إلى تحويل المساجد و مراكز
العبادة إلى محال تجاربة، أو جعلها مكانا لتخدير الأفكار، و الابتعاد عن الحقّ. و
في اعتقادنا أنّ المسلمين لو كانوا ملتزمين بتعاليم القرآن في شأن المساجد، لكانت
المجتمعات الإسلامية اليوم لها وجه آخر و صورة مشرقة! و الأعجب في هذا الشأن أنّ
المشركين كانوا يدّعون أنّهم يصلّون و يعبدون اللّه بما كانوا يقومون به من أعمال
قبيحة كالصفير و التصدية عند البيت، و لهذا فقد قالت الآية التالية عنهم: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ
تَصْدِيَةً.
و نقرأ في التأريخ أنّ طائفة من الأعراب في زمان الجاهلية عند ما كانوا يطوفون
بالبيت العتيق، كانوا يخلعون ثيابهم و يصفرون و يصفقون و يسمّون أعمالهم هذه
عبادة، و ورد أيضا أنّ النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ما كان يقف
بجانب الحجر الأسود و يتجه بوجهه نحو الشمال ليكون في مقابل الكعبة و بيت المقدس،
و يشرع بالصلاة، كان يقف إلى يمينه و يساره رجلان من بني سهم فيأخذ أحدهم بالصياح
و الآخر بالتصفيق ليؤذياه في صلاته.
تعقب الآية على ما تقدم لتقول: إنّ أعمالكم- بل حتى صلاتكم- مدعاة للخجل و
السفاهة و لذلك فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ.
إنّ الإنسان حين يقلّب صفحات التأريخ و يتوغّل فيه باحثا عن جوانب من تاريخ
عرب الجاهلية التي وردت الإشارة إليها في القرآن، يرى- و يا للعجب العجاب!- في
عصرنا الحاضر الذي عرف بعصر الفضاء و الذرة من يعيد تلك الأعمال التي كانت في زمان
الجاهلية، و يتصوّر نفسه في عبادة، فيقرءون الآيات