الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى أنّهم أعدّوا جائزة لهذا الغرض و
هي مائة ناقة، و هذا العدد من الإبل كان يعدّ ثروة كبرى يومئذ «هذه الجائزة لكلّ
من يقبض على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى بعد أن خرج عن قبضتهم» و قد
طفق الكثير يجوبون الفيافي و الجبال ليبحثوا عنه طلبا لتلك الجائزة الكبرى حتى
بلغوا الغار، و لكن اللّه سبحانه أذهب بأتعابهم أدراج الرياح بواسطة نسيج
العنكبوت! و نظرا إلى أنّ هجرة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تمثل مرحلة
جديدة في التأريخ الإسلامي، بل التأريخ الإنساني، فإنّنا نستنتج أنّ اللّه قد غير
مسيرة التأريخ البشري بما نسجته العنكبوت من خيوط! ...
و هذا الأمر لا ينحصر بهجرة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل في جميع
تأريخ الأنبياء، فإنّ اللّه سبحانه أذل أعداءهم و دمرهم و أباد قوى الضلال بأسباب
هيّنة كالريح- مثلا- أو كثرة البعوض، أو الطير الصغيرة التي تسمّى بالأبابيل،
ليبيّن حالة الضعف البشري و العجز إزاء قدرته اللامتناهية و ليردع الإنسان عن
التفكير بالطغيان و العناد.
و ممّا يسترعي النظر أنّ الالتجاء إلى هذه الأساليب الثّلاثة: السجن و النفي و
القتل، لم يكن منحصرا بالمشركين في مواجهة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
فحسب، فإنّ الطغاة يلجأون إلى هذه الأساليب الثّلاثة دائما للقضاء على المصلحين و
إسكاتهم، و الحيلولة دون بسط نفوذهم بين المستضعفين، إلّا أنّه كما كانت النتيجة
خلاف ما أراده مشركو مكّة في شأن النّبي و أضحت مقدمة لتحرك إسلامي جديد، فكذلك
مثل هذه الموجهات الشديدة قد باءت نتائجها في مواطن أخرى بعكس ما كان متوقعا [1]
[1] الملاحظة اللطيفة هنا هو أنّ
كتابة هذا التّفسير كانت في الاجزاء السابقة تسير مسيرا بطيئا، و لكن بما أن راقم
هذه السّطور حين كتابة هذا الجزء من التّفسير كان قد نفي من قبل حكومة الطاغوت إلى
مدينة «مهاباد» و «أنارك» فإنّ كتابة هذا التّفسير قد سارعت الخطى بحيث إنّني
أكملت تمام هذا الجزء في ذلك المنفي.