أرسل من يمضي إلى مكّة بسرعة ليخبر أهلها بما سيؤول إليه أمر القافلة.
فمضى رسول أبي سفيان بحالة مثيرة كما أوصاه أبو سفيان، إذ خرم أنف بعيره و بتر
أذنيه و الدماء تسيل على وجه البعير لهيجانه، و قد شقّ ثوبه- أو طمريه- و ركب
بعيره على خلاف ما يركب الناس «إذ ظهره كان إلى رقبة البعير و وجهه إلى عجزه»
ليلفت الناس إليه من كل مكان. فلما دخل مكّة أخذ يصرخ قائلا: أيّها الناس الأعزة،
أدركوا قافلتكم، أدركوا قافلتكم و أسرعوا و تعجلوا إليها، و إن كنت لا أعتقد أنّكم
ستدركونها في الوقت المناسب، فإنّ محمّدا و رجالا مارقين من دينكم قد خرجوا من
المدينة ليتعرضوا لقافلتكم.
و كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آنئذ
قد رأت رؤيا موحشة عجيبة، و قد تناقلت الأفواه رؤياها فيزداد الناس هيجانا.
و كانت عاتكة قد رأت قبل ثلاثة أيّام من مجيء رسول أبي سفيان إلى مكّة، أنّ
شخصا يصرخ: أيّها الناس تعجّلوا إلى قتلاكم، ثمّ صعد هذا المنادي إلى أعلى جبل أبي
قيس و أخذ حجرا كبيرا فرماه فتلاشى الحجر في الهواء، و لم يبق بيت في مكّة لقريش
إلّا نزل فيه منه شيء، كما أن وادي مكّة يجري دما عبيطا.
فلمّا استيقظت فزعة مرعوبة من نومها و قصّت رؤياها على أخيها العباس، ذهل
الناس لهول هذه الرؤيا.
لكن أبا جهل لما بلغه ذلك قال: ما رأت عاتكة رؤيا، هذه نبيّة ثانية في بني عبد
المطلب، و باللات و العزّى لننظرن ثلاثة أيّام، فإن كان ما رأت حقّا فهو كما رأت،
و إن كان غير ذلك لنكتبنّ بيننا كتابا: أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا و
نساء من بني هاشم.
و لكن لم يكد يمضي اليوم الثّالث حتى كان ما من أمر ذلك الرجل الذي هزّ مكّة و
أهلها.
و لما كان أكثر أهل مكّة شركاء في هذه القافلة فقد تعبئوا بسرعة و تحركوا