و نظرا إلى
أنّ منشأ جميع أنواع الشقاء في نظر القرآن هو الشرك، و رأس مال جميع السعادات هو
التوحيد، يتّضح لماذا يكون هؤلاء الضالون المضلون أظلم الناس. إنّ هؤلاء ظلموا
أنفسهم كما ظلموا المجتمع الذي يقيمون فيه، إنّهم يغرسون النفاق و التفرقة في كل
مكان، و يشكّلون سدّا و مانعا كبيرا في طريق وحدة الصفوف و التقدم و الإصلاحات
الواقعية [1].
ثمّ إنّه
تعالى يصف وضعهم عند الموت فيقول: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ
مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ.
أي أنّ هؤلاء سيأخذون ما هو نصيبهم و ما هو مقدر مكتوب لهم من النعم المختلفة، حتى
إذا استوفوا حظهم من العمر، و انتهوا إلى آجالهم النهائية، حينئذ تأتيهم ملائكتنا
الموكلون بقبض أرواحهم.
و المراد من
«الكتاب» هي المقدرات من النعم المختلفة التي قدرها اللّه تعالى لعباده في هذا
العالم، و إن احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الكتاب هو العذاب الإلهي، أو
ما هو أعمّ من المعنيين.
و لكن بالنظر
إلى كلمة (حتى) التي تشير عادة إلى انتهاء الشيء، يتّضح أنّ المراد هو فقط نعم
الدنيا المتنوعة المختلفة التي لكل أحد فيها حظ و نصيب، سواء المؤمن أو الكافر،
الصالح و الطالح، و التي تؤخذ عند الموت، لا العقوبات الإلهية التي لا تنتهي بحلول
الموت، و التعبير بالكتاب عن هذه النعم و المقدرات إنّما هو لأجل شبهها بالأمور
التي تخضع للتقسيم و الأسهم و تكتب.
و على كل
حال، فإنّ عقوباتهم تبدأ منذ لحظة حلول الموت، ففي البداية يواجهون التوبيخ و عتاب
الملائكة المكلّفين بقبض أرواحهم، فيسألونهم: أين معبوداتكم الّتي اتخذتموها من
دون اللّه و التي طالما تحدثتم عنها، و كنتم
[1] لمزيد من التوضيح راجع تفسير الآية (21) من
سورة الأنعام.