و سواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون و أشرنا إليه آنفا، أو
كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ، فهو يبيّن هذه الحقيقة، و هي أنّ هذه الآية
القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجا جامعا واسعا كليّا في المجالات الأخلاقية و
الاجتماعية، بحيث يمكننا أن نجد فيها جميع المناهج الإيجابية البناءة و الفضائل
الإنسانية. و كما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة إلى الإيجاز في
المبنى، و السعة في المعنى، يتجلى في الآية محل البحث تماما.
و ينبغي الالتفات إلى أنّ الآية و إن كانت تخاطب النّبي نفسه إلّا أنّها تشمل
جميع الأمّة و المبلغين و القادة.
كما ينبغي الالتفات إلى أنّ الآيات محل البحث ليس فيها ما يخالف مقام العصمة
أيضا، لأنّ الأنبياء و المعصومين ينبغي أن يستعيذوا باللّه من وساوس الشيطان، كما
أنّ أيّ أحد لا يستغني عن لطف اللّه و رعايته و الاستعاذة به من وساوس الشياطين، حتى
المعصومين.
و
جاء في بعض الرّوايات أنّه لما
نزلت الآية خُذِ الْعَفْوَ ... سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا
أدري، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال:
«يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تعفو
عمن ظلمك، و تعطي من حرمك، و تصل من قطعك» [1].
و
جاء في حديث آخر أنّه لما نزلت آية خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ
الْجاهِلِينَ قال النّبي: كيف يا ربّ و الغضب؟ فنزل قوله وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[2].
و ينبغي الإشارة إلى أنّ الآية الثّانية هنا جاءت في سورة فصلت الآية (36)