إلّا أنّه حين يجد أنّ بعض الخشب لا ينفعه شيئا، فسيكون مضطرا إلى نبذه ليكون
حطبا للحرق و الإشعال، فهذا الهدف «تبعيّ» لا أصلي.
و الفرق الوحيد بين هذا المثال و ما نحن فيه، أنّ الاختلاف بين أجزاء الخشب
ليس اختيارا، و اختلاف الناس له صلة وثيقة بأعمالهم أنفسهم، و هم مختارون و
إرادتهم حرّة بإزاء أعمالهم.
و خير شاهد على هذا الكلام ما جاء من صفات لأهل النّار و صفات لأهل الجنّة في
الآيات محل البحث، التي تدل على أنّ الأعمال هي نفسها أساس هذا التقسيم، إذ كان
فريق منهم في الجنّة، و فريق في السعير.
و تعبير آخر فإنّ اللّه سبحانه- و وفقا لصريح آيات القرآن المختلفة- خلق الناس
جميعهم على نسق واحد طاهرين، و وفّر لهم أسباب السعادة و التكامل، إلّا أنّ قسما
منهم اختاروا بأعمالهم جهنم فكانوا من أهلها فكان عاقبة أمرهم خسرا ... و أن قسما
منهم اختاروا بأعمالهم الجنّة و كان عاقبة أمرهم السعادة ...
ثمّ يلخّص القرآن صفات أهل النّار في ثلاث جمل، إذ تقول الآية: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ...
و قد قلنا مرارا: إنّ التعبير ب «القلب» في مصطلح القرآن يعني الفكر و الروح و
قوّة العقل، أي أنّهم بالرّغم ممّا لديهم من استعداد للتفكير، و أنّهم ليسوا
كالبهائم فاقدي الشعور و الإدراك، إلّا أنّهم في الوقت ذاته لا يفكرون في عاقبتهم
و لا يستغلون تفكيرهم ليبلغوا السعادة.
و الصفة الثّانية التي ذكرتها الآية لأهل النّار وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها و الصفة الثّالثة الواردة في حقهم وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ
كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ.
لأنّ البهائم و الأنعام لا تملك هذه الاستعدادات و الإمكانات، إلّا أنّهم بما
لديهم من عقل سالم و عين باصرة و أذن سامعة، بإمكانهم أن يبلغوا كل مراتب