و أمّا ما تصوّره البعض من أن الآية الثّانية من سورة الجمعة يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ
يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ و آيات
أخرى دليل على أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتلو القرآن على الناس
من شيء مكتوب، فهو خطأ بالغ، لأنّ التلاوة تطلق على التلاوة من مكتوب على شيء،
كما تطلق على القراءة حفظا و من ظهر القلب، و استعمال لفظة التلاوة في حق الذين
يقرءون الأشعار أو الأدعية حفظا و من على ظهر القلب كثير.
من مجموع ما قلناه نستنتج:
1- أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يتلق القراءة و الكتابة من أحد
حتما، و بهذا تكون إحدى صفاته أنّه لم يدرس عند أستاذ.
2- أنّنا لا نملك أي دليل معتبر على أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
قرأ أو كتب شيئا قبل النبوة، أو بعدها.
3- إنّ هذا الموضوع لا يتنافى مع تعليم اللّه تعالى القراءة أو الكتابة لنبيّه
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
3- البشارات بظهور النّبي في العهدين:
إنّ الشواهد التأريخية القطعية، و كذا محتويات كتب اليهود و النصارى المقدسة
(التوراة و الإنجيل) تفيد أن هذه الكتب ليست هي الكتب السماوية التي نزلت على موسى
و عيسى عليهما السّلام و أن يد التحريف قد طالتهما، بل إنّ بعضها اندرس و اندثر، و
أن ما هو موجود الآن باسم الكتب المقدسة بينهم ما هي إلّا خليط من نسائج الأفكار و
الأدمغة البشرية و شيء من التعاليم التي نزلت على موسى و عيسى عليهما السّلام
ممّا بقي في أيدي تلامذتهم.
و على هذا الأساس لا غرور و لا عجب إذا لم نقف على عبارات صريحة حول البشارة
بظهور النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.