و لكن لا مانع أبدا من أن تكون كلمة «الأمّي» إشارة إلى كل المفاهيم و المعاني
الثلاثة، و قد قلنا مرارا: إنّه لا مانع من استعمال لفظة واحدة في عدة معان، و
لهذا الموضوع شواهد كثيرة في الأدب العربي. (و سنبحث بتفصيل حول أميّة النّبي صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم بعد الفراغ من تفسير هذه الآية).
3- ثمّ إنّ هذا النّبي هو الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ.
و في صعيد وجود البشارات المختلفة في كتب العهدين (التوراة و الإنجيل) حتى
التوراة و الإنجيل المحرفين الحاضرين أيضا، سيكون لنا بحث تفصيلي بعد الفراغ من
تفسير هذه الآية.
4- و من سمات هذا النّبي أنّ دعوته تتطابق لنداء العقل مطابقة كاملة، فهو يدعو
إلى كل الخيرات و ينهي عن كل الشرور و الممنوعات العقلية: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ.
5- كما أنّ محتوى دعوته منسجم مع الفطرة الإنسانية السليمة، فهو يحل ما ترغب
فيه الطباع السليمة و يحرم ما تنفر منه وَ
يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.
6- أنّه ليس كأدعياء النّبوة و الرسالة الذين يهدفون إلى توثيق الناس بأغلال
الاستعمار و الاستثمار و الاستغلال، بل هو على العكس من ذلك، إنّه يرفع عنهم إصرهم
و الأغلال التي تكبّل عقولهم و أفكارهم و تثقل كاهلهم وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي
كانَتْ عَلَيْهِمْ[1].
و حيث أنّ هذه الصفات الست بالإضافة إلى الصفة السابعة و هي مقام الرسالة
تشكّل من حيث المجموع علامة واضحة و دليل قاطع على صدق دعواه،
[1] «الإصر» يعني في الأصل عقد الشيء
و حبسه، و يطلق على كل عمل يمنع الإنسان من الفعالية و الحركة، و يطلق على العهد و
الميثاق أو العقوبات، لفظ الإصر، لأنّ هذه الأمور تحدّ من حركة الإنسان.