يستفاد من هذا التعبير- جيدا- أنّ فرعون بعد هزيمته أمام موسى عليه السّلام
ترك موسى و بني إسرائيل أحرارا (طبعا الحرية النسبية) مدّة من الزمن، و لم يترك
بنو إسرائيل بدورهم هذه الفرصة من دون أن يشتغلوا بالدعوة و التبليغ لصالح دين
موسى عليه السّلام إلى درجة أن قوم فرعون قلقوا من انتشاره و نفوذ دعوتهم، فحضروا
عند فرعون و حرضوه على اتّخاذ موقف مشدد تجاه موسى و بني إسرائيل.
فهل فترة الحرية النسبية هذه كانت لأجل الخوف و الرعب الذي أصاب فرعون بسبب ما
رأى من معجزة موسى عليه السّلام القوية، أو للاختلاف الذي برز في شعب مصر (و حتى
القبطيين منهم) حول موسى و دينه، حيث أنّ جماعة رغبوا في دينه، و كان فرعون شاهدا
لهذه الحالة فلم يمكنه أن يتخذ في مثل هذه الأجواء و الظروف موقفا متشددا من موسى
و دينه.
كلا الاحتمالين قريبان إلى ذهن فرعون، و يمكن أن يكون كلاهما معا قد تركا أثرا
في نفسه و فكره.
و على كل حال فإنّ فرعون- بسبب تحذيرات أعوانه و حاشيته- صمم على اتّخاذ موقف
متشدد من بني إسرائيل، فقال لحاشيته في معرض الجواب على تحريضهم و تحذيرهم: سأقتل
أبناءهم و استخدام نساءهم و نحن متفوقون عليهم على كل حال: قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ.
و قد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من لفظة «آلهتك» و الظاهر من الآية هو
أنّ فرعون كانت له معبودات و أصنام، و إن كان يفهم من الآية (4) من سورة النازعات أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و من الآية (38) من سورة القصص ما
عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي إنّ فرعون كان
أعظم إله لشعب مصر، أو على الأقل كان فرعون يعتبر نفسه أعظم معبود لشعب مصر و لكن
مع ذلك كان قد اختار آلهة لنفسه و كان يعبدها.
و النقطة الأخرى أن فرعون عمد هنا إلى مكافحة جذرية و عميقة، و قرر