الملتهب الذي لا يكون هذا التفاني في سبيله مثار للعجب.
و لهذا نرى كيف أن السحرة قالوا بصراحة و شجاعة (كما في سورة طه الآية (72): قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ
وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ
الدُّنْيا.
و أخيرا- و كما جاء في الرّوايات و كتب التأريخ- استقام أولئك الجماعة من
السحرة الذين آمنوا بموسى حتى نفّذ فرعون تهديداته، و مثّل بأجسامهم تمثيلا مروعا،
و صلبهم على جذوع النخل على مقربة من نهر النيل. و هكذا كتبت أسماؤهم مع أحرار التاريخ
بأحرف من نور، و كانوا كما وصفهم المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي: كانوا أوّل
النهار كفارا سحرة، و آخر النهار شهداء و بررة.
و لكن مع الالتفات إلى أنّ مثل هذا الانقلاب و التحول و الاستقامة ليس ممكنا
إلّا في ظلّ الإمدادات الإلهية، و من المسلّم أن كلّ من اختار سلوك طريق الحق،
شملته هذه العنايات الرّبانية، و الإمدادات الإلهية.