و لكن في البلاد الرأسمالية الغربية التي يظن البعض أنّه لا يوجد استعباد فكري
و ثقافي على الأقل و أن لكل أحد أن يفكر و يختار بحرية، يمارس الاستعباد بنحو آخر،
لأنّ الرأسماليين الكبار بتسلّطهم الكامل على الصحف المهمّة، و الإذاعات، و محطات
التلفزيون، و جميع سبل الارتباط الجمعي و وسائل الإعلام، يفرضون على المجتمع
أفكارهم و آراءهم في لباس الحرية الفكرية، و يوجهون المجتمع- عن طريق عملية غسيل
دماغ واسعة و مستمرة- إلى الوجهة التي يريدون، و هذا بلاء عظيم يعاني منه عصرنا
الحاضر.
و نظرا إلى الآية (71) من سورة «طه» التي تقول إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ يتّضح أنّ مراد فرعون هو أنّ هناك مؤامرة مدروسة و تواطؤا
مبيّنا قد دبرتموه قبل مدّة للسيطرة على أوضاع مصر و استلام زمام السلطة، لا أنّكم
دبرتموه للتو و قبل قليل في لقاء محتمل بينكم و بين موسى.
و من هنا يتّضح أنّ المراد من «المدينة» هو مجموع القطر المصري، و الألف و
اللام ألف و لام الجنس، و المراد من «لتخرجوا منها أهلها» هو تسلط موسى عليه
السلام و بني إسرائيل على أوضاع مصر، و إقصاء حاشية فرعون و أعوانه عن جميع
المناصب الحساسة، أو إبعاد بعضهم إلى النقاط البعيدة من البلاد، و الآية (110) في
هذه السورة شاهدة على ذلك أيضا.
و على كل حال، فإنّ هذه التهمة كانت خاوية و مفضوحة، إلى درجة أنّه لم يكن
يقتنع بها إلّا العوام و الجهلة من الناس، لأنّ موسى عليه السلام لم يكن حاضرا في
مصر، و لم يلتق بأحد من السحرة من قبل، و لو كان أستاذهم و كبيرهم الذي علمهم
السحر، لوجب أن يكون معروفا و مشهورا في جميع الأماكن، و أن يعرفه أكثر الناس، و
هذه لم تكن أمورا يمكن إخفاؤها و كتمانها، لأنّ التواطؤ مع