هذه الصفات، و كان- في الظاهر- رجلا مغمورا، نهض من بين بني إسرائيل، و أقدم
على مثل ذلك العمل الذي عجز أمامه الجميع. و من هنا علم أن هناك قوة غيّبة تدخلت
في عمل موسى، و أن موسى ليس رجلا عاديا.
و في هذا الوقت ظهر الحق، و بطلت أعمالهم المزّيفة فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. لأنّ عمل موسى كان عملا واقعيا، و كانت أعمالهم حفنة من
الحيل و من أعمال الشعبذة، و لا شك أنّه لا يستطيع أي باطل أن يقاوم الحق دائما.
و هذه هي أوّل ضربة توجهت إلى أساس السلطان الفرعوني الجبّار.
ثمّ يقول تعالى في الآية اللاحقة: و بهذه الطريقة ظهرت آثار الهزيمة فيهم، و
صاروا جميعا أذلاء: فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ
انْقَلَبُوا صاغِرِينَ.
و بالرغم من أنّ المؤرخين ذكروا في كتب التاريخ قضايا كثيرة حول هذه الواقعة،
و لكن حتّى من دون نقل ما جاء في التواريخ يمكن الحدس أيضا بما حدث في هذه الساعة
من اضطراب في الجماهير المتفرجة ... فجماعة خالفوا بشدّة بحيث أنّهم فرّوا و
هربوا، و أخذ آخرون يصيحون من شدّة الفزع، و بعض أغمي عليه.
و أخذ فرعون و ملأه ينظرون إلى ذلك المشهد مبهوتين مستوحشين، و قد تحدّرت على
وجوههم قطرات العرق من الخجل و الفشل، فأجمعوا يفكرون في مستقبلهم الغامض المبهم،
و لم يدر في خلدهم أنّهم سيواجهون مثل هذا المشهد الرهيب الذي لا يجدون له حلّا.
و الضربة الأقوى كانت عند ما تغير مشهد مواجهة السحرة لموسى عليه السلام
تغييرا كلّيا، و ذلك عند ما وقع السحرة فجأة على الأرض ساجدين لعظمة اللّه وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ.