المجموعة الهائلة من السحرة، و ذلك الحشد الهائل من الناس المتفرجين الذين
كانوا على الأغلب من أنصار السحرة و مؤيديهم.
فالتفت السحرة في غرور خاص و كبير إلى موسى عليه السلام و قالوا: إمّا أن تشرع
فتلقي عصاك، و إمّا أن نشرع نحن فنلقي عصيّنا؟ قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ
نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ.
فقال موسى عليه السلام بمنتهى الثقة و الاطمئنان: بل اشرعوا أنتم قالَ أَلْقُوا.
و عند ما ألقى السحرة بحبالهم و عصيّهم في وسط الميدان سحروا أعين الناس، و أوجدوا
بأعمالهم و أقاويلهم المهرجة و مبالغاتهم و هرطقاتهم خوفا في قلوب المتفرجين، و
أظهروا سحرا كبيرا رهيبا: فَلَمَّا
أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ
عَظِيمٍ.
و كلمة «السحر»- كما مرّ في المجلد الأوّل من هذه الموسوعة التفسيرية، عند
تفسير الآية (102) من سورة البقرة- تعني في الأساس الخداع و الشعبذية، و قد يطلق
أيضا على كل عامل غامض، و دافع غير مرئي.
و على هذا الأساس، فإن هذه الجماعة كانت توجد أفعالا عجيبة بالاعتماد على سرعة
حركة الأيدي، و المهارة الفائقة في تحريك الأشياء لتبدو و كأنّها أمور خارقة
للعادة و كذلك الأشخاص الذين يستفيدون من الخواص الكيمياوية و الفيزياوية الغامضة
الموجودة في الأشياء و المواد، فيظهرون أعمالا مختلفة خارقة للعادة. كل هؤلاء
يدخلون تحت عنوان «الساحر».
هذا علاوة على أن السحرة يستفيدون- عادة- من سلسلة من الإيحاءات المؤثرة في
مستمعيهم، و من العبارات و الجمل المبالغة، و ربّما الرهيبة المخوفة لتكميل عملهم،
و التي تترك آثارا جدّ عجيبة في مستمعيهم و متفرجيهم و جمهورهم.
و يستفاد من آيات مختلفة في هذه السورة و من سور قرآنية أخرى حول