الكلام في البداية، و حيث أن عيون الملأ كانت متوجهة إليه، و لم يكن لهذا
الملأ المتملق المتزلف هدف إلّا رضى رئيسه و سيده، و ما ينعكس على محياه، و ما
توحي به إشارته، كرّر هو أيضا ما قاله الرّئيس، فقالوا: أجل، إن هذا لساحر عليم.
و هذا السلوك لا يختص بفرعون و حواشيه، بل هو دأب جميع الجبارين في العالم و
حواشيهم.
ثمّ أضافوا: إنّ هدف هذا الرجل أن يخرجكم من وطنكم يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ.
يعني أنّه لا يهدف إلّا استعماركم و استثماركم، و إنّ الحكومة على الناس، و
غصب أراضي الآخرين، و هذه الأعمال الخارقة للعادة و ادعاء النّبوة كلّها لأجل
الوصول إلى هذا الهدف.
ثمّ قالوا بعد ذلك: مع ملاحظة هذه الأوضاع فما هو رأيكم: فَما ذا تَأْمُرُونَ؟
يعني أنّهم جلسوا يتشاورون في أمر موسى، و يتبادلون الرأي فيما يجب عليهم
اتّخاذه تجاهه، لأنّ مادة «أمر» لا تعني دائما الإيجاب و الفرض، بل تأتي- أيضا-
بمعنى التشاور.
و هنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ هذه الجملة وردت في سورة الشعراء الآية (35)
أيضا، و ذلك عن لسان فرعون، حيث قال لملائه: فما ذا تأمرون. و قد قلنا:
إنّه لا منافاة بين هذين.
و قد احتمل بعض المفسّرين- أيضا- أن تكون جملة «فما ذا تأمرون» في الآية
الحاضرة خطابا وجهه ملأ فرعون و حاشيته إلى فرعون، و صيغة الجمع إنما هي لرعاية
التعظيم، و لكن الاحتمال الأوّل- و هو كون هذا الخطاب موجها من ملأ فرعون إلى
الناس- أقرب إلى النظر.
و على كل حال فقد قال الجميع لفرعون: لا تعجل في أمر موسى و هارون، و أجلّ
قرارك بشأنهما إلى ما بعد، و لكن ابعث من يجمع لك السحرة من جميع