و من دون تأخير أخرج موسى معجزتيه العظيمتين التي كانت إحداهما مظهر «الخوف» و
الأخرى مظهر «الأمل» و كانتا تكملان مقام إنذاره و مقام تبشيره، و ألقى في البداية
عصاه: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ
مُبِينٌ[1].
و التعبير ب «المبين» إشارة إلى أنّ تلك العصا التي تبدلت إلى ثعبان حقّا، و
لم يكن سحرا و شعبذة و ما شاكل ذلك، على العكس من فعل السحرة لأنّه يقول في شأنهم:
إنّهم مارسوا الشعبذة و السحر، و عملوا ما تصوره الناس حيات تتحرك، و ما هي بحيات
حقيقة و واقعا.
ّ ذكر هذه النقطة أمر ضروري، و هي أنّنا نقرأ في الآية (10) من سورة النمل، و
الآية (31) من سورة القصص، أن العصا تحركت كالجانّ، و «الجانّ» هي الحيات الصغيرة
السريعة السير، و إنّ هذا التعبير لا ينسجم مع عبارة «ثعبان» التي تعني الحية
العظيمة ظاهرا.
و لكن مع الالتفات إلى أنّ تينك الآيتين ترتبطان ببداية بعثة موسى، و الآية
المبحوثة هنا ترتبط بحين مواجهته لفرعون، تنحل المشكلة، و كأن اللّه أراد أن يوقف
موسى على هذه المعجزة العظيمة تدريجا فهي تظهر في البداية أصغر، و في الموقف
اللاحق تظهر أعظم.
هل يمكن قلب العصا إلى حية عظيمة؟!
على كل حال لا شك في أنّ تبديل «العصا» إلى حية عظيمة معجزة، و لا يمكن
تفسيرها بالتحليلات المادية المتعارفة، بل هي من وجهة نظر الإلهي الموحد- الذي
يعتبر جميع قوانين المادة محكومة للمشيئة الربانية- ليس فيها ما يدعو للعجب فلا
عجب أن تتبدل قطعة من الخشب إلى حيوان بقوة ما فوق
[1] احتمل «الراغب» في «المفردات» أن
تكون كلمة ثعبان متخذة من مادة «ثعب» بمعنى جريان الماء، لأنّ حركة هذا الحيوان
تشبه الأنهر التي تجري بصورة ملتوية.