كتاب اللّه
العزيز إلّا إذا جلسنا عنده متتلمذين متعلمين. أمّا إذا أقبلنا على القرآن بذهنية
مملوءة بأحكام مسبقة ملتقطة من مدارس الشرق و الغرب، فسوف نلجأ إلى زجّ آيات
القرآن في إطار مفاهيم غريبة عليه، لتنسجم مع ما نحمله من أحكام و نظريات مسبقة، و
بذلك نحرم من عطاء القرآن، و نحوله إلى «آلة» لتبرير أخطائنا و إسناد أفكارنا
الناقصة.
3- بعد هذه
الجولة القرآنية التي تلمّسنا فيها الحياة القرآنية بكلّ ما تحمله من عطاء ثرّ
لحياة الفرد و الجماعة، لا بدّ أن نسجّل أسفنا لما يحمله كثير من المسلمين من نظرة
إلى القرآن ... نظرة تجعل القرآن محاطا بهالة من القدسية غير أنّه معزول عن
الحياة. تتلمس الثواب و البركة في التلاوة، و الفضيلة في الحفظ، دون أن ترى فيه
منهجا للحياة.
لقد نسي
هؤلاء أنّ القرآن مدرسة للفرد المسلم و للجماعة المسلمة، يرسم لها طريقها في جميع
المجالات، و يوجهها الوجهة الصحيحة في كلّ المنعطفات، و هنا تكمن عظمة القرآن و
قدسيته.
كثيرة هي
مدارس القرآن و خلاوي التحفيظ و مجلس التلاوة في عالمنا الإسلامي، و كم يدور فيها
من البحوث حول طريقة التجويد و الترتيل! لكن الحديث عن المنهج العملي الذي يطرحه
القرآن قليل، و الالتزام بهذا المنهج أقلّ.
و نحن في هذا
التّفسير قلّما تعرّضنا لسورة دون أن نبيّن أنّ التلاوة التي بيّنت السنّة فضائلها
إنّما هي التلاوة المتبوعة بالفكر و العمل ... فضيلة التلاوة أن يكون مقدمة
للتفكر، أن يؤدي التفكر إلى العمل.
نسأل اللّه
سبحانه و تعالى أن يوفق علماء المسلمين لطرح منهج القرآن بين أبناء الامّة، و أن
يوفق اتباع القرآن إلى العمل به في كلّ جوانب حياتهم، و هذه كلمتنا الأخيرة في
التّفسير الأمثل، و ندع بقية الحديث إلى (التّفسير الموضوعي).