خرج العباس و أجلس أبا سفيان عند خطم الجبل فمرّت عليه القبائل، فيقول له
العباس: هذه أسلم ... هذه جهينة ... حتى مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم في كتيبته الخضراء مع المهاجرين و الأنصار متسربلين بالحديد لا يرى منهم إلا
حدق عيونهم. فقال:
و من هؤلاء؟ قال العباس: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في
المهاجرين و الأنصار.
فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما.
قال العباس: ويحك إنّها النبوة.
فقال: نعم إذن.
ثمّ قال له العباس: الحق بقومك سريعا فحذّرهم.
فخرج حتى أتى مكّة فصرخ في المسجد:
يا معشر قريش هذا محمّد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. ثمّ قال: من دخل داري فهو
آمن. و من دخل المسجد فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن ... و قال: يا معشر قريش
اسلموا تسلموا.
فأقبلت امرأته هند فأخذت بلحيته و قالت: يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق.
فقال: أرسلي لحيتي و اقسم لئن أنت لم تسلمي لتضربن عنقك، ادخلي بيتك! فتركته.
ثمّ بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع جيش المسلمين منطقة «ذي
طوى» و هي مرتفع يشرف على بيوت مكّة. فتذكر الرسول ذلك اليوم الذي خرج فيه مضطرا
متخفيا من مكّة. و ها هو يعود إليها منتصرا، فوضع رأسه تواضعا للّه و سجد على رحل
ناقته شكرا له سبحانه.
ثمّ ترجّل النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في «الحجون» إحدى محلات
مكّة، و فيها قبر خديجة عليها السّلام، و اغتسل، ثمّ ركب ثانية بجهاز الحرب و دخل
المسجد الحرام و هو يتلو سورة الفتح. ثمّ كبر و كبر جند الإسلام معه، فدوى صوت
التكبير في أرجاء