هذه طبيعة أغلب أفراد البشر ... الأفراد الذين لم يتربوا في مدرسة العقل و
الوحي، حين يرون أنفسهم مستغنين غير محتاجين يعمدون إلى الطغيان، و ينسلخون من
عبودية اللّه، و يرفضون الاعتراف بأحكامه، و يصمّون أذانهم عن ندائه، و لا يراعون
حقّا و لا عدلا.
لا الإنسان و لا أي مخلوق آخر قادر على أن يستغني، بل كلّ الموجودات الممكنة
بحاجة إلى لطف اللّه و نعمه، و إذا انقطع فيضه سبحانه عنها لحظة واحدة، ففي هذه
اللحظة بالذات تفنى بأجمعها، غير أنّ الإنسان يحسّ خطأ أحيانا أنّه مستغن غير
محتاج. و القرآن يشير إلى هذا الإحساس بعبارة دقيقة يقول: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى لم يقل أن استغنى.
قيل: إنّ المقصود بالإنسان في الآية أبو جهل الذي كان يطغى أمام الدعوة لكن
مفهوم الإنسان هنا عام، و أمثال أبي جهل مصاديق له.
يبدو أنّ الهدف من الآية الفات نظر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
بمنعطفات الطبيعة البشرية كي لا يتوقع قولا سريعا من النّاس لدعوته، و ليعدّ نفسه
لإنكار المنكرين و معارضة الطغاة المستكبرين، و ليعلم أنّ الطريق أمامه وعر مليء
بالمصاعب.
ثمّ يأتي التهديد لهؤلاء الطغاة المستكبرين و تقول الآية التالية:
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى و هو الذي يعاقب الطغاة على ما اقترفوه، و كما إنّ رجوع كلّ شيء إليه، و ميراث
السماوات و الأرض له سبحانه: وَ لِلَّهِ
مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ[2] فكل شيء في البداية منه، و لا مبرّر للإنسان أن يشعر
بالاستغناء و يطغى.
[1]- جملة «أن رآه استغنى» مفعول
لأجله، و التقدير: لأنّ ... و الرؤية هنا بمعنى العلم و لذا نصبت مفعولين، و يحتمل
أيضا أن تكون الرؤية هنا حسّية. و «استغنى» تكون عندئذ بمثابة الحال.