و يستمر
البيان القرآني: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ.
و هو أشدّ ما
سيعاقبون به، مثلما منزلة اللقاء باللّه و درجة القرب منه هي من أعظم نعم الأبرار
و الصالحين و أكثرها لذة و استئناسا.
«كلّا»: عادة ما تستعمل لنفي ما قيل سابقا، و
للمفسرين أقوال في تفسيرها:
القول
الأوّل: إنّها تأكيد ل «كلّا» المتقدمة في الآية السابقة، أي: يوم القيامة ليس
بأسطورة كما يزعمون.
و القول الثّاني:
«كلّا» بمعنى لا يمكن إزالة الرين الذي فقأ البصيرة في قلوبهم، فهم محرومون من
رؤية جمال الحقّ في هذا العالم و في عالم الآخرة أيضا.
القول
الثّالث: إنّ الآية تجيب زعم أولئك من أنّ القيامة (حتى على فرض وجودها!) فهم
سينعمون بها كما (يتصورون) بأنّهم منعمين في الدنيا، (و قد تناولت الآيات الأخرى
ما جاء في زعمهم) [1].
و لكنّ
أحلامهم ستتلاشى أمام حقيقة وقوع القيامة، و ما سينالونه من شديد العذاب.
نعم، فأعمال
الإنسان في دنياه ستتجسم له في آخرته شاء أم أبى، و لما كان أولئك قد أغلقوا
عيونهم عن رؤية الحق، و رانت أعمالهم على قلوبهم، فسيحجبون عن ربّهم في ذلك اليوم
العظيم، و عندها فسوف لن يتمتعوا برؤية جمال الحق أبدا، و سيحرمون من نعمة اللقاء
بالحبيب الحقيقي، الذي لا حبيب سواه.
و:
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ.
فدخولهم جهنم
نتيجة طبيعية لاحتجابهم عن اللّه تعالى و أثر لازم له، و ممّا لا شك فيه إنّ لهيب
الحرمان من لقاء اللّه أشدّ إيلاما و إحراقا من نار جهنم!
[1]- كما في الآية (32) من سورة الكهف:
وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ
خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً، كما و جاء نظير ذلك في الآية (50)
من سورة فصلت.