و بعد وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى[1] فلا حاجة بنا
لإيمانكم و طاعتكم، و لا طاعتكم تجدينا نفعا و لا معصيتكم تصيبنا ضرّا، و كلّ منهج
الهداية لصالحكم أنفسكم.
حسب هذا التّفسير الهداية تعني «اراءة الطريق». و يحتمل أن تكون الآيتان
لتشجيع المؤمنين الأسخياء، و التأكيد على أنّ اللّه سبحانه سيشملهم بمزيد من
الهداية، و ييسر لهم الطريق في هذه الدنيا و في الآخرة، فاللّه قادر على ذلك لأنّ
له الآخرة و الاولى.
صحيح أنّ الدنيا مقدمة على الآخرة زمنيا، و لكن الآخرة أهم و هي الهدف
النهائي، و لذلك تقدم ذكرها على الدنيا في الآية الإنذار و التحذير من سبل
الهداية، و لذلك قال سبحانه:
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى.
«تلظى» من اللظى، و هو الشعلة
المتوهجة الخالصة و الشعلة الخالصة من الدخان ذات حرارة أكبر، و تطلق «لظى» أحيانا
على جهنم [2].
ثمّ تشير الآية إلى المجموعة التي ترد هذه النّار المتلظية الحارقة و تقول:
لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى.
و في وصف الأشقى تقول الآية: الَّذِي
كَذَّبَ وَ تَوَلَّى.
معيار الشقاء و السعادة- إذن- هو الكفر و الإيمان و ما ينبثق عنهما من موقف
عملي، إنّه لشقي حقّا هذا الذي يعرض عن كلّ معالم الهداية و عن كلّ الإمكانات
المتاحة للإيمان و التقوى ... بل إنّه أشقى النّاس.
عبارة الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى قد يكون التكذيب إشارة إلى الكفر، و التولي إشارة إلى ترك
الأعمال الصالحة، إذ هو ملازم للكفر، و قد يشير الفعلان إلى ترك
[1]- «للام» في (للآخرة) و (للأولى) و
كذلك في (للهدى) لام تأكيد تدخل على خبر إنّ، و دخلت هنا على اسمها لتقدم الخبر.