حرّم اللّه لحمك عليّ، فلا يبقى أحد إلّا قال: نفسي نفسي، و إنّ محمّدا يقول:
ربّ أمّتي أمّتي» [1].
نعم، فحينما يرى المذنب كلّ تلك الحوادث تهتز فرائصه و يتزلزل رعبا، فيستيقظ
من غفلته و يعيش حالة الهمّ و الغمّ، و يتحسر على كلّ لحظة مرّت من حياته بعد ما
يرى ما قدّمت يداه، و لكن. هل للحسرة حينها من فائدة؟! و كم سيتمنى المذنب لو تسنح
له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا و إصلاح ما أفسد، و لكنّه سيرى أبواب العودة
مغلقة، و لا من مخرج! ...
و يودّ التوبة .. و هل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها؟! و يريد أن يعمل صالحا
.. و لكن أين؟ فقد طويت صحائف الأعمال، و يومها يوم حساب بلا عمل! ..
و عندها .. بملإ يصرخ كيانه: يَقُولُ يا
لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي.
و في قولته نكتة لطيفة، فهو لا يقول قدّمت لآخرتي بل «لحياتي»، و كأنّ المعنى
الحقيقي للحياة لا يتجسد إلّا في الآخرة.
كما أشارت لهذه الآية (64) من سورة العنكبوت: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ
وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
نعم، ففي دنياهم: يسرقون أموال اليتامى، لم يطعموا المساكين، يأخذون من الإرث
أكثر ممّا يستحقون و يحبّون المال حبّا جمّا.
و في أخراهم، يقول كلّ منهم: يا ليتني قدّمت لحياتي الحقيقية الباقية .. و
لكنّ التمني ليس أكثر من رأس مال المفلسين.
و تشير الآية التالية إلى شدّة العذاب الإلهي: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ.
نعم، فمن استخدم في دنياه كلّ قدرته في ارتكاب أسوء الجرائم و الذنوب،
[1]- مجمع البيان، ج 10، ص 483؛ و عنه
الميزان، ج 20، ص 415، و مثله في تفسير الدّر المنثور.