فلا ينبغي للإنسان أن يغتر عند الرخاء، و لا أن ييأس عند ما تصيبه عسرة
الضراء، و لا ينبغي له أن ينسى هدف وجوده في الحالتين، و عليه أن لا يتصور بأن
الدنيا إذا ما أرخت نعمها عليه فهو قد أصبح مقرّبا من اللّه، بل لا بدّ أن يفهمها
جيّدا و يؤدّي حقوقها، و إلّا فسيفشل في الامتحان.
و من الجدير بالملاحظة، أنّ الآية ابتدأت بالحديث عن إكرام اللّه تعالى للإنسان
«فأكرمه و نعمه»، في حين تلومه على اعتقاده بهذا الإكرام في آخرها:
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، و ذلك .. لأنّ الإكرام الأوّل هو الإكرام الطبيعي، و الإكرام الثّاني بمعنى
القرب عند اللّه تعالى.
فيأخذه اليأس، و يظن إنّ اللّه قد ابتعد عنه، غافلا عن سنّة الابتلاء في عملية
التربية الربّانية لبني آدم، و التي تعتبر رمزا للتكامل الإنساني، فمن خلال نظرة و
معايشة الإنسان للابتلاء يرسم بيده لوحة عاقبته، فأمّا النعيم الدائم، و أمّا العقاب
الخالد.
و توضح الآيتان بأنّ حالة اليسر في الدنيا ليست دليل قرب اللّه من ذلك
الإنسان، و كذا الحال بالنسبة لحالة العسر فلا تعني بعد اللّه عن عبده، و كلّ ما
في الأمر أنّ الحالتين صورتان مختلفتان للامتحان الذي قررته الحكمة الإلهية، ليس
إلّا.
و تأتي الآية (51) من سورة فصّلت في سياق الآيتين: وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى
بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ.
و كذا الآية (9) من سورة هود: وَ لَئِنْ
أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ
كَفُورٌ.
و تنبهنا الآيتان أيضا، بأن لا نقع في خطأ التشخيص، فنحكم على فلان بأن