على عكس أهل جهنّم، فوجوههم «عاملة ناصبة»، أمّا أهل الجنّة، فقد حان وقت
حصادهم لما زرعوا في دنياهم، و حصلوا على أحسن ما يتمنون، فتراهم في غاية الرضى و
السرور.
و ما زرعوا سيتضاعف ناتجة بإذن اللّه و لطفه أضعافا مضاعفة، فتارة عشرة أضعاف،
و اخرى سبعمائة ضعف، و ثالثة يجازون على ما عملوا بغير حساب، كما أشارت الآية (10)
من سورة الزمر إلى ذلك بقولها: إِنَّما
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ و يدخل البيان القرآني في التفصيل أكثر: فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ.
«عالية»: قيل بإرادة المكان (في طبقات
الجنّة العليا)، و قيل أريد بها المقام الرفيع، و مع أنّ التّفسير الثّاني أرجح،
إلّا أنّه لا مانع من الجمع بينهما:
و كذا ..: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً. [1] فليس هناك ثمّة: جدال، كلام نفاق، عداوة، حقد، حسد، كذب، تهمة، افتراء، غيبة
و لا أيّ إيذاء، بل و لا حتى الكلام الفارغ.
فهل يوجد مكان أهدأ و أجمل من ذلك؟! و لو تأملنا حقيقة مشاكلنا فيما بيننا،
لرأينا أنّ الغالب منها ما كان ناشئا عن سماع هكذا أحاديث، و التي تؤدي إلى عدم
الاستقرار النفسي، و إلى تهديم أركان الترابط الاجتماعي فينهار النظام و تشتعل
نيران الفتن لتأكل الأخضر و اليابس معا.
و بعد ذكر القرآن لما يتمتع به أهل الجنّة من نعمة روحية، يبيّن بعض النعم
المادية في الجنّة: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ.
[1]- «لاغية»: بالرغم من كونها اسم
فاعل، و لكنّها تأتي بما يرادف (اللغو)، أي (ذات لغو).