فينبغي على المؤمنين ألّا يتعاملوا مع اسمه الجليل كتعامل عبدة الأصنام، بأن
يضعوا اسمه تعالى مع أسماء أصنامهم، و لا يفعلوا كما يفعل المجسمة، ممن وقعوا في
خطأ كبير و فاحش حينما نسبوا إلى الباري جلّ جلاله الصفات الجسمية.
الْأَعْلَى: أي الأعلى من
كلّ: أحد، تصوّر، تخيّل، قياس، ظن، وهم، و من أي شرك بشقيه الجلي و الخفي.
رَبِّكَ: إشارة إلى
أنّه غير ذلك الرّب الذي يعتقد به عبدة الأصنام.
و بعد ذكر هاتين الصفتين (الربّ و الأعلى)، تذكر الآيات التالية خمس صفات
تبيّن ربوبية اللّه العليا ..: الَّذِي
خَلَقَ فَسَوَّى فَسَوَّى: من (التسوية)،
و هي الترتيب و التنظيم، و يضم هذا المفهوم بين جناحيه كلّ أنظمة الوجود، مثل:
النظام السماوي بنجومه و كواكبه، و الأنظمة الحاكمة على المخلوقات في الأرض، و لا
سيما الإنسان من حيث الروح و البدن.
أمّا ما قيل، من كونها إشارة إلى نظام اليد أو العين أو اعتدال القامة، فهذا
في واقعه لا يتعدى أن يكون إلّا بيان لمصداق محدود من مصاديق هذا المفهوم الواسع.
و على أيّة حال، فنظام عالم الخليقة، بدءا من أبسط الأشياء، كبصمات الأصابع
التي أشارت إليها الآية (4) من سورة القيامة بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ، و انتهاء بأكبر منظومة سماوية، كلها شواهد ناطقة على
ربوبية اللّه سبحانه و تعالى، و أدلة إثبات قاطعة على وجوده عزّ و جلّ.
و بعد ذكر موضوعي الخلق و التنظيم، تنتقل بنا الآية التالية إلى حركة
الموجودات نحو الكمال: وَ الَّذِي قَدَّرَ
فَهَدى.
و المراد ب (قدّر)، هو: وضع البرامج، و تقدير مقادير الأمور اللازمة للحركة
باتجاه الأهداف المرسومة التي ما خلقت الموجودات إلّا لأجلها.
و المراد ب (هدى) هنا، هي: الهداية الكونية، على شكل غرائز و سنن طبيعية