و قد ورد هذا المعنى في الآية (5) من سورة الحج: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ
الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، بالإضافة إلى الآية (67) من سورة مريم: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ
قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً.
و تصف لنا الآية التالية ذلك اليوم الذي سيرجع فيه الإنسان: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ[1].
«تبلى»: من (البلوى)، بمعنى الاختبار
و الامتحان، و هو هنا الظهور و البروز، لأنّ الامتحان يكشف عن حقيقة الأشياء و
يظهرها.
«السرائر»: جمع (سريرة)، و هي صفات و
نوايا الإنسان الداخلية.
نعم، فأسرار الإنسان الدفينة ستظهر في ذلك اليوم، «يوم البروز» و «يوم
الظهور»، فسيظهر على الطبيعة كلّ من: الإيمان، الكفر، النفاق، نيّة الخير، نيّة
الشر، الإخلاص، الرياء ...
و سيكون ذلك الظهور مدعاة فخر و مزيد نعمة للمؤمنين، و مدعاة ذلّة و مهانة و
حسرة للمجرمين ...
و ما أشد ما سيلاقي من قضى وطرا من عمره بين النّاس بظاهر حسن و نوايا خبيثة!
و ما أتعسه حينما تهتك أقنعته المزيفة فيظهر على حقيقته أمام كلّ الخلائق! و ربّما
ذلك من أشدّ عذاب جهنم عليه ...
و تصف لنا الآية (41) من سورة الرحمن هيئتهم بالقول: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ، و كذا الآيات (38- 41) من سورة عبس: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَ
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ.
نعم، فكما إنّ «الطارق» و النجوم الاخرى تظهر من خفائها ليلا على صفحة السماء،
فكذا حال الإنسان في عرصة يوم القيامة، فالحفظة و المراقبين الإلهيين
[1]- «يوم» ظرف زمان متعلق بالرجع في
الآية السابقة.