اللذة و السرور، فإذا كانا شريكين في همّ الدنيا، فإنّهما سيكونان شريكين في
سرور الآخرة و نشوتها.
و قد فسّر بعضهم «الأزواج» هنا بالمتساوين في الدرجة و الأصدقاء و الأقارب،
فلو صحّ فوجودهم نعمة عظيمة، إلّا أنّ ظاهر الآية هو المعنى الأوّل.
ثمّ تضيف: تُحْبَرُونَ.
«تحبرون» من مادة حبر- وزن فكر- أي
الأثر المطلوب، و تطلق أحيانا على الزينة و آثار الفرح التي تظهر على الوجه، و إذا
قيل للعلماء أحبار، فلآثارهم التي تبقى بين المجتمعات البشرية، كما
يقول أمير المؤمنين علي عليه السّلام:
«العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، و أمثالهم في القلوب موجودة» [1].
و تقول في بيان النعمة الثالثة: يُطافُ
عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ فهم يضافون و يخدمون بأفضل الأواني، و ألذّ الأطعمة، في منتهى الهدوء و
الاطمئنان و الصفاء.
«الصحاف» جمع صحفة، و هي في الأصل من
مادة صحف، أي التوسع، و تعني هنا الأواني الكبيرة الواسعة و الأكواب جمع كوب، و هي
أقداح الماء التي لا عروة لها.
و مع أنّ الكلام في الآية عن الصحاف الذهبية، دون طعامهم و شرابهم، إلّا أن من
البديهي أنّ الذين يخدمونهم لا يطوفون عليهم بصحاف خالية مطلقا.
و تشير في الرابعة و الخامسة إلى نعمتين أخريين جمعت فيهما كلّ نعم العالم
المادية و المعنوية، فتقول: وَ فِيها
ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ، و على قول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان: لو أنّ جميع الخلائق قد اجتمعت
لوصف أنواع نعم الجنّة، فسوف لا يقدرون أن يضيفوا شيئا على ما جاء في هذه الجملة
أبدا.
و أي تعبير أجمل من هذا التعبير و أجمع منه؟ فهو تعبير بسعة عالم الوجود،