و بالرغم من أنّ الآيات تتحدث بإبهام، إلّا أنّ محتواها ليس معقّدا و لا غامضا
للقرائن الموجودة في نفس الآيات، و آيات القرآن الأخرى، رغم التفاسير المختلفة
التي ذكرها المفسّرون.
أيّ مثل كان هذا؟ و من الذي قاله في حقّ عيسى بن مريم؟
هذا هو السؤال الذي اختلف المفسّرون في جوابه على اقوال، إلّا أنّ الدقّة في
الآيات التالية توضح أنّ المثل كان من جانب المشركين، و ضرب فيما يتعلق بالأصنام،
لأنّا نقرأ في الآيات التالية: ما
ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا.
بملاحظة هذه الحقيقة، و ما جاء في سبب النّزول، يتّضح أن المراد من المثل هو
ما قاله المشركون استهزاء لدى سماعهم الآية الكريمة: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ
جَهَنَّمَ[2]، و كان
ما قالوه هو أن عيسى بن مريم قد كان معبودا، فينبغي أن يكون في جهنم بحكم هذه
الآية، و أي شيء أفضل من أن نكون نحن و أصنامنا مع عيسى؟! قالوا ذلك و ضحكوا و
استهزءوا و سخروا! ثمّ استمرّوا: وَ قالُوا
أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ فإذا كان من
أصحاب الجحيم، فإنّ آلهتنا ليست بأفضل منه و لا أسمى.
و لكن، اعلم أنّ هؤلاء يعلمون الحقيقة، و ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ
خَصِمُونَ[3].
إنّ هؤلاء يعلمون جيدا أنّ الآلهة الذين يردون جهنم هم الذين كانوا راضين
بعبادة عابديهم، كفرعون الذي كان يدعوهم إلى عبادته، لا كالمسيح عليه السّلام الذي
كان و لا يزال رافضا لعملهم هذا، و متبرءا منه.
[1]- «يصدون» من مادة صد، و يكسر
مضارعها، و هي تعني الضحك و الصراخ، و إحداث الضجيج و الغوغاء، حيث يضعون يدا بيد
عند السخرية و الاستهزاء عادة، يراجع لسان العرب، مادة: صدد.