و يلزم أن
نذكر هنا أن «الأسورة» جمع سوار، سواء كان من الذهب أم من الفضة.
و تشير الآية
التالية إلى نكتة لطيفة، و هي: إنّ فرعون لم يكن غافلا عن واقع الأمر تماما، و كان
ملتفتا إلى أن لا قيمة لهذه القيم و المعايير، إلّا أنّه:
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ.
إنّ طريقة كل
الحكومات الجبارة الفاسدة من أجل الاستمرار في تحقيق أهدافها و أنانياتها، هي
الإبقاء على الناس في مستوى مترد من الفكر و الثقافة و الوعي، و تسعى إلى تركهم
حمقى لا يعون ما حولهم باستخدام أنواع الوسائل، فتجعلهم غرقى في حالة من الغفلة عن
الوقائع و الأحداث و الحقائق، و تنصب لهم قيما و موازين كاذبة منحطة بدلا من
الموازين الحقيقية، كما تمارس عملية غسل دماغ تام متواصل لهذه الشعوب، و ذلك لأنّ
يقظتها و وعيها، و تنامي رشدها الفكري يشكل أعظم خطر على الحكومات، و يعتبر أكبر
عدو للحكومات المستبدة، فهذا الوعي بمثابة ما رد يجب أن تحاربه بكل ما أوتيت من
قوّة.
إنّ هذا
الأسلوب الفرعوني- أي استخفاف العقول- حاكم على كل المجتمعات الفاسدة في عصرنا
الحاضر، بكل قوّة و استحكام، و إذا كان تحت تصرف فرعون وسائل محدودة توصله إلى نيل
هدفه، فإنّ طواغيت اليوم يستخفون عقول الشعوب بواسطة وسائل الاتصال الجماعية، الصحف
و المطبوعات، شبكات الراديو و التلفزيون، أنواع الأفلام، بل و حتى الرياضة في قالب
الانحراف، و ابتداع أنواع الأساليب المضحكة المستهجنة، لتغرق هذه الشعوب في بحر
الغفلة، فيطيعوهم و يستسلموا لهم، و لهذا كانت المسؤولية الملقاة على عاتق علماء
الدين و الملتزمين به- و الذين يحيون خط الأنبياء الفكري و العقائدي- ثقيلة في
محاربة
[1]- ورد في التّفسير الأمثل، ذيل الآية (9) من
سورة الأنعام بحث مفصل في هذا الباب.