أصبح قرين من
كان يزين له كل القبائح و يسلكه طريق الضلال على أنّه سبيل الخير و الفلاح، و طريق
الانحراف على أنّه طريق الهدى و الصلاح، و ويل له إذا أصبح مقيّدا معه بنفس
الأصفاد في نفس السجن! نعم، إن عرصة القيامة تجسيد واسع لمشاهد هذه الدنيا، و
القرين و الرفيق و القائد و الدليل هنا و هناك واحد، بل إنّهما- برأي بعض
المفسّرين- يقرنان بسلسلة واحدة! من المعلوم أنّ المراد من المشرقين: المشرق و
المغرب، لأنّ العرب عند ما يريدون أن يثنوا جنسين مختلفين بلفظ واحد، فإنّهم
يختارون أحد اللفظين، كما يقولون: الشمسان، إشارة إلى الشمس و القمر، و الظهران،
إشارة إلى صلاتي الظهر و العصر، و العشاء ان، إشارة إلى صلاتي المغرب و العشاء.
و قد ذكروا
تفاسير أخرى لا تبدو مناسبة للآية من أي وجه، كقولهم: إنّ المراد هو مشرق بداية
الشتاء، و مشرق بداية الصيف، و إن كان هذا التّفسير مناسبا في موارد أخرى.
و على أية
حال، فإنّ هذا التعبير كناية عن أبعد مسافة يمكن تصورها، حيث يضرب المثل ببعد
المشرق عن المغرب في هذا الباب.
إلّا أن هذا
الأمل لا يتحقق مطلقا، و لا يمكن أن يقع الإفتراق أو البون بين هؤلاء و بين
الشياطين، و لذلك فإنّ الآية التالية تضيف: وَ لَنْ
يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ
فيجب أن تذوقوا عذاب قرين السوء هذا مع أنواع العذاب الأخرى إلى الأبد
[1].
و بهذا فإنّ
القرآن الكريم يبدل أمل هؤلاء في الإفتراق عن الشياطين إلى يأس دائم، و كم هو مضن
تحمل هذا الجوار؟
[1]- على هذا فإن فاعل «ينفع» هو القول السابق
حيث كانوا يأملون أن يكون البعد بينهم و بين الشياطين كما بين المشرق و المغرب، و
جملة (إذ ظلمتم) بيان لعلة عدم النفع، و جملة
أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ نتيجة هذا الظلم و الجور.