الأخلاقية فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع و المخاصمة بين
طوائف المسلمين المختلفة بين في الآيتين محل البحث قسما من جذور هذه الاختلافات
ليزول الاختلاف (بقطعها) و يحسم النزاع! ففي كلّ من الآيتين الآنفتين تعبير صريح و
بليغ عن ثلاثة أمور يمكن أن يكون كلّ منها شرارة لاشتعال الحرب و الاختلاف، إذ
تقول الآية الأولى من الآيتين محل البحث أوّلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ
قَوْمٍ.
لأنّه عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ.
وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً
مِنْهُنَ.
و الخطاب موجّه هنا إلى المؤمنين كافة فهو يعم الرجال و النساء و ينذر الجميع
أن يجتنبوا هذا الأمر القبيح، لأنّ أساس السخرية و الاستهزاء هو الإحساس
بالاستعلاء و الغرور و الكبر و أمثال ذلك إذ كانت تبعث على كثير من الحروب الدامية
على امتداد التاريخ! و هذا الاستعلاء أو التكبّر غالبا ما يكون أساسه القيم
المادية و الظواهر المادية فمثلا، فلان يرى نفسه أكثر مالا من الآخر أو يرى نفسه
أجمل من غيره أو أنّه يعد من القبيلة المشهورة و المعروفة أكثر من سواها، و ربما
يسوقه تصوّره بأنّه أفضل من الجماعة الفلانية علما و عبادة و معنوية إلى السخرية
منهم، في حين أنّ المعيار الواقعي عند اللَّه هو «التقوى» التي تنسجم مع طهارة
القلب و خلوص النيّة و التواضع و الأخلاق و الأدب!.
و لا يصحّ لأي أحد أن يقول أنا أفضل عند اللَّه من سواي، و لذلك عد تحقير
الآخرين و التعالي بالنفس من أسوأ الأمور و أقبح العيوب الأخلاقية التي يمكن أن
تكون لها انعكاسات سلبية في حياة الناس جميعا.
ثمّ تقول الآية في المرحلة الثانية: وَ
لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ.
كلمة «تلمزوا» هي من مادة «لمز» على زنة «طنز» و معناها تتّبع العيوب