وجه، و لهذا
فإنّ المجتمع الذي كان أكثر المجتمعات البشرية تخلفا و خرافة، قد تسلق سلّم الرشد
و الرقي حتى أصبح في المرتبة الأولى في مدّة قصيرة.
و الطريف
أنّنا نقرأ
في حديث عن
النّبي الأكرم صلى اللَّه عليه و آله و سلّم، في تكملة هذا البحث:
«لو وزنت الدنيا عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء»
[1].
و
يبلغ أمير
المؤمنين علي عليه السّلام الكلام في هذا الباب غايته حيث يقول:
«و لقد دخل موسى بن عمران و أخوه هارون عليهما السّلام على فرعون و عليهما مدارع
الصوف و بأيديهما العصي، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه و دوام عزّه، فقال: ألا
تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و
الذل، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب، إعظاما للذهب و جمعه، و احتقارا للصوف و
لبسه، و لو أراد اللَّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، و
معادن العقيان، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طيور السماء و وحوش الأرض لفعل، و
لو فعل لسقط البلاء، و بطل الجزاء».
و
يقول في
موضع آخر من هذه الخطبة: «ألا ترون ان اللَّه سبحانه اختبر
الأولين من لدن آدم صلوات اللَّه عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر و
لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما. ثمّ
وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، و أقل نتائق الأرض مدرا، و أضيق بطون الأودية قطرا،
بين جبال خشنة، و رمال دمثة، و عيون وشلة، و قرى منقطعة، لا يزكو بها خف، و لا
حافر و لا ظلف. ثمّ أمر آدم و ولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع
أسفارهم ...».
«و لو أراد اللَّه سبحانه أن يضع بيته الحرام و
مشاعره العظام بين جنات و أنهار، و سهل و قرار، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف
البنا، متصل القرى، بين برة سمراء، و روضة خضراء، و أرياف محدقة، و عراص مغدقة، و
طرق عامرة، لكان قد صغر