و مثل هذه الذنوب يستوجب أن يسلّطكم اللّه عليهم لتعاقبوهم بشدّة! لكنّ اللّه
تعالى لم يفعل ذلك فلما ذا؟! ذيل الآية يبيّن السبب بوضوح إذ يقول: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ
تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ[1] ..
و هذه الآية تشير إلى طائفة (من الرجال و النساء) المسلمين الذين اعتنقوا
الإسلام في مكّة و لم يهاجروا إلى المدينة لأسباب خاصة.
فلو قاتل المسلمون أهل مكّة لأوقعوا أرواح هؤلاء المستضعفين في خطر و لامتدت
ألسنة المشركين بالقول: إنّ جنود الإسلام لم يرحموا لا أعداءهم و مخالفيهم و لا
أتباعهم و مؤالفيهم، و هذا عيب و عار كبير! و قال بعضهم أيضا، إنّ المراد من هذا
العيب لزوم الكفارة و دية قتل الخطأ، لكنّ المعنى الأوّل أكثر مناسبة ظاهرا.
«المعرّة» من مادة «عرّ» على زنة
«شرّ» «و العرّ على زنة الحر» في الأصل معناه مرض الجرب و هو من الأمراض الجلدية
التي تصيب الحيوانات أو الإنسان أحيانا ثمّ توسّعوا في المعنى فأطلقوا هذا اللفظ
على كلّ ضرر يصيب الإنسان.
أجل، كان اللّه يريد للمستضعفين المؤمنين من أهل مكّة أن تشملهم الرحمة و لا
تنالهم أية صدمة ..
كما يرد هذا الاحتمال أيضا و هو أنّ أحد أهداف صلح الحديبيّة أنّ من المشركين
من فيه قابلية الهداية فيهتدي ببركة هذا الصلح و يدخل في رحمة اللّه.
و التعبير ب «من يشاء» يراد منه الذين فيهم اللياقة و الجدارة، لأنّ مشيئة
اللّه تنبع من حكمته دائما، و الحكيم لا يشاء إلّا بدليل و لا يعمل عملا دون دقّة
و حساب ..
و لمزيد التأكيد تضيف الآية الكريمة:
لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً أي لو افترقت و انفصلت صفوف المؤمنين و الكفار في مكّة و
لم يكن هناك
[1]- جواب لولا في الجملة الآنفة
محذوف و التقدير: لمّا كفّ أيديكم عنهم، أو: لوطأتم رقاب المشركين بنصرنا إيّاكم
..