الإنتصار على هذه الطائفة، في حين أنّه طبقا للتفسير السابق يكون المقصود هو
النصر الكلّي للمسلمين على المشركين و هذا التّفسير أكثر انسجاما مع مفاد الآية ..
ممّا يستلفت النظر أنّ القرآن يؤكّد على عدم القتال في بطن مكّة، و هذا
التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى لطيفتين:
الأولى: إنّ مكّة كانت مركزا لقوّة العدو، و على القاعدة كان على أهل مكّة
[المشركين] أن يغتنموا الفرصة المناسبة فيحملوا على المسلمين فقد كانوا يبحثون
عنهم و عن فرصة للقضاء عليهم فإذا هم في دارهم و في قبضتهم فما كان ينبغي أن
يتركوا هذه الفرصة بهذه البساطة، لكنّ اللّه سلب عنهم قدرتهم و صرفهم عنهم!
الثانية: إنّ مكّة كانت حرم اللّه الآمن. فلو وقع القتال فيها لسألت الدماء فتهتك
حرمة الحرم من جانب، و تكون عارا على المسلمين و عيبا أيضا. إذ سلبوا أمن هذه
الأرض المقدّسة، و لذلك فإنّ من نعم اللّه على نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم
و على المسلمين أنّه و بعد هذه القضية بسنتين فتح عليهم مكّة و كان ذلك من دون سفك
دم أيضا ..
و في آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى لطيفة أخرى تتعلّق بمسألة صلح
الحديبيّة و حكمتها إذ تقول الآية: هُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ
مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ[1].
كان أحد ذنوبهم كفرهم، و الذنب الآخر صدّهم إيّاكم عن العمرة زيارة بيت اللّه
و لم يجيزوا أن تنحروا الهدي في محله، أي مكّة (الهدي في العمرة ينحر [أو يذبح]
في مكّة و في الحج بمنى) على حين ينبغي أن يكون بيت اللّه للجميع و صدّ المؤمنين
عنه من أعظم الكبائر، كما يصرّح القرآن بذلك في مكان آخر من سورة: