أجل قد تبلغ الامتحانات الإلهية درجة أن تضعضع الإيمان الضعيف و تغيّر القلوب،
و إنّما يثبت المؤمنين الصادقون الذين تحلّوا بالسكينة و الاطمئنان و سينعمون في
يوم القيامة بنتائجه، و ذلك هو الفوز العظيم حقّا!.
غير أنّ إزاء هذه الجماعة، جماعة المنافقين و المشركين الذين تتحدّث الآية
التالية عن عاقبتهم بهذا الوصف فتقول: وَ
يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ
الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
أجل، لقد ظنّ المنافقون حين تحرّك النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و معه
المؤمنون من المدينة أن لا يعودوا نحوها سالمين كما تتحدّث عنهم الآية (12) من هذه
السورة ذاتها فتقول: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ
لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً.
كما ظنّ المشركون أيضا أنّ محمّدا لن يعود إلى المدينة سالما مع قلّة العدد و
العدد و سيأفل كوكب الإسلام عاجلا ... ثمّ يفصل القرآن ببيان عذاب هؤلاء و عقابهم
و يجعله تحت عناوين أربعة فيقول أوّلا:
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ[1].
«الدائرة» في اللغة هي الحوادث و ما
ينجم عنها أو ما يتّفق للإنسان في حياته، فهي أعم من أن تكون حسنة أو سيئة غير
أنّها هنا بقرينة كلمة «السوء» يراد منها الحوادث غير المطلوبة!.
و ثانيا: وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
و ثالثا: وَ لَعَنَهُمْ.
و رابعا و أخيرا: فإنّه بالمرصاد وَ أَعَدَّ
لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً.
و الذي يسترعي الانتباء أنّه في الحديبيّة كان أغلب الحاضرين من المسلمين
رجالا، و في مقابلهم من المنافقين و المشركين رجالا أيضا، غير أنّ الآيات الآنفة
أشركت الرجال و النساء في ذلك الفوز العظيم، و هذا العذاب الأليم، و ذلك لأنّ
[1]- «سوء» على زنة «نوع» كما يقول
صاحب صحاح اللغة فيه معنى مصدري، و السوء) على وزن (نور) اسم مصدر، غير أنّ صاحب
الكشّاف يقول أنّ كليهما، بمعنى واحد.