فما ذا يفعل بنا فنزلت الآية لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ[1].
و على كلّ حال، فإنّ هذه الآيات تتحدّث عن علاقة صلح الحديبيّة و آثاره وردّ
الفعل المختلف في أفكار الناس و نتائجه المثمرة، و كذلك عاقبة كلّ من الفريقين
اللذين امتحنا في هذه «البوتقة» و المختبر- فتقول الآية الأولى من هذه الآيات محل
البحث لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ
الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها. فلا تسلب هذه النعمة الكبرى عنهم أبدا ...
و إضافة إلى ذلك فإنّ اللّه يعفو عنهم وَ
يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً[2].
و بهذا فإنّ اللّه قد وهب المؤمنين بإزاء ما وهب لنبيّه في فتحه المبين من
المواهب الأربعة موهبتين عظميين هما «الجنّة خالدين فيها» و «التكفير عن سيّئاتهم»
بالإضافة إلى إنزال السكينة على قلوبهم و مجموع هذه المواهب الثلاث يعدّ فوزا
عظيما لأولئك الذين خرجوا من الامتحان بنجاح و سلامة!.
و كلمة «الفوز» التي توصف في القرآن غالبا ب «العظيم» و أحيانا توصف ب
«المبين» أو «الكبير» بناء على ما يقول «الراغب» في «مفرداته» معناها الانتصار و
نيل الخيرات المقرون بالسلامة، و ذلك في صورة ما لو كان فيه النجاة في الآخرة و إن
اقترن مع زوال بعض المواهب الدنيوية.
و طبقا للرواية المعروفة عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام حين ضربه اللعين
عبد الرحمن بن ملجم في محراب العبادة بالسيف على أمّ رأسه قال هاتفا
«فزت و ربّ الكعبة»
و كأنّه يقول فزت بأنّي أمضيت ختم صحيفتي بدم رأسي.
[1]- تفسير المراغي، ج 26، ص 85 و
تفسير أبو الفتوح الرازي، ج 10، ص 26 و تفسير روح المعاني للآلوسي، ج 26، ص 86.
[2]- طبقا لهذا البيان فإنّ جملتي
«ليدخل» و كذلك «و يعذّب» اللتين هما في الآية التالية معطوفان على جملة ليغفر، و
قد اختار جماعة من المفسّرين هذا الرأي كالشيخ الطوسي في «التبيان» و الطبرسي في
«مجمع البيان» و أبو الفتوح الرازي في تفسيره، غير أنّ جماعة آخرين قالوا أنّ ما
سبق آنفا معطوف على جملة ليزدادوا إيمانا و هذا لا ينسجم مع شأن النّزول و لا
مجازاة الكفّار.