و قال بعضهم: المراد بما تقدّم هو ما تقدّم على صلح الحديبية، و ما تأخّر أي
ما تأخّر عنها من أمور و حوادث!.
و لكن مع ملاحظة التّفسير الذي أوضحناه في أصل معنى الآية و خاصة العلاقة بين
مغفرة الذنب مع مسألة فتح الحديبية، يبدو بجلاء أنّ المراد هو التهم الباطلة التي
و صمها المشركون- بزعمهم- بالنّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم في ما سبق و ما لحق
و لو لم يتحقّق هذا النصر العظيم لكانوا يتصوّرون أنّ جميع هذه الذنوب قطعية ..
غير أنّ هذا الانتصار الذي تحقّق للنبي طوى جميع الأباطيل و التهم (المتقدّمة)
في حقّ النّبي و ما سيتّهم به في المستقبل في حال عدم انتصاره!.
و الشاهد الآخر على هذا التّفسير هو
الحديث المنقول عن الإمام الرضا علي بن موسى عليهما السلام إذ سأله المأمون عن
تفسير هذه الآية فقال: «لم يكن أحد عند مشركي
أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّهم كانوا
يعبدون من دون اللّه ثلاثمائة و ثلاثين صنما فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص
«التوحيد» كبر ذلك عليهم و قالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عجاب إلى
أن قالوا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلّا اختلاق [1].
فلمّا فتح اللّه تعالى على نبيّه مكّة قال اللّه تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد اللّه فيما تقدّم و ما تأخّر لأنّ مشركي
مكّة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكّة و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد
عليه إذ دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم» فلمّا سمع المأمون
كلام الرضا قال له: «أحسنت، بارك اللّه فيك يا أبا الحسن».
***
______________________________
(1)- راجع في هذا الصدد سورة في الآية
4- 7 و تفسير الصافي نقلا عن عيون الأخبار- و راجع نور الثقلين الجزء الخامس، ص
56.