«الآسن» يعني النتن، و بناء على هذا،
فإنّ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ تعني الماء الذي لا يتغيّر طعمه و رائحته لطول بقائه و غيره ذلك، و هذا أوّل
نهر من أنهار الجنّة، و فيه ماء زلال جار طيب الطعم و الرائحة.
ثمّ تضيف: وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ و ذلك أنّ الجنّة مكان لا يعتريه الفساد، و لا
تتغيّر أطعمة الجنّة بمرور الزمن، و إنّما تتغيّر الأطعمة في هذه الحياة الدنيا،
لوجود أنواع الميكروبات التي تفسد المواد الغذائية بسرعة.
ثمّ تطرّقت إلى ثالث نهر من أنهار الجنّة، فقالت: وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ.
و علاوة على هذه الأنهار المختلفة التي خلق كلّ منها لغرض، فقد تحدّثت الآية
عن فواكه الجنّة في الموهبة الخامسة، فقالت الآية: وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ[2] فستوضع بين
أيديهم و تحت تصرفهم كلّ الثمرات و الفواكه المتنوّعة الطعم و الرائحة، سواء التي
يمكن تصوّرها، أو التي لا يمكن أن تخطر على أذهاننا اليوم و يصعب تصوّرها.
و أخيرا تتحدث عن الموهبة السادسة التي تختلف عن المواهب المادية السابقة، إذ
أنّ هذه الهبة معنوية روحية، فتقول: وَ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ إذ ستمحو رحمته
الواسعة كل هفواتهم و سقطاتهم، و سيمنحهم اللّه الاطمئنان و الهدوء و الرضى، و
يجعلهم من المرضيين عنده و المحبّبين إليه، و سيكونون مصداق لقوله
[1]- للمفسّرين بحوث كثيرة حول تركيب
هذه الآية الشريفة، و الأنسب منها جميعا أن يقال: (مثل الجنّة) مبتدأ، و خبره
محذوف، و التقدير: مثل الجنّة التي وعد المتقون جنّة فيها أنهار، و هذه الآية
تشبه- في الحقيقة- الآية (35) من سورة الرعد التي تقول: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
[2]- للجملة محذوف، و للتقدير: لهم
فيها أنواع من كل الثمرات.