القرآن، و اطلاعهم على محتواها، أتوا قومهم مسرعين و شرعوا بدعوتهم.
لقد تحدّثوا أوّلا عن كون القرآن حقّا، و أثبتوا ذلك بأدلة ثلاثة، ثمّ بدأوا
بترغيبهم، فبشروهم بالنجاة و الخلاص من قبضة عذاب الآخرة في ظل الإيمان بهذا
الكتاب السماوي، و كان ذلك تأكيدا على مسألة المعاد من جانب، و صرف الاهتمام إلى
قيم الآخرة الأصيلة في مقابل قيم الدنيا الزائلة الفانية من جانب آخر.
ثمّ نبّهوهم في المرحلة الثّالثة على أخطار ترك الإيمان، و حذروهم تحذيرا
مقترنا بالاستدلال و الحرص، و أخيرا بيّنوا لهم عاقبة الانحراف عن هذا المسير،
فالانحراف عنه هو الضلال المبين.
إنّ هذا الأسلوب في التبليغ و الإعلام أسلوب مؤثر نافع لكلّ فرد و لكلّ فئة.
2- أفضل دليل على عظمة القرآن محتواه
يظهر جليا من الآيات أعلاه- و آيات سورة الجن- أنّ هذه الفرقة من الجن قد
انجذبوا إلى القرآن و انشدوا إليه بمجرّد سماع آياته، و لا يوجد أي دليل على أنّهم
قد طلبوا من نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم معجزة أخرى.
لقد اعتبر هؤلاء انسجام القرآن المجيد مع آيات الكتب السابقة من جهة، و أنّه
يدعوا الى الحق من جهة ثانية، و استقامة برامجه العملية و تخطيطه من جهة ثالثة،
كافيا لأن يدل على كونه حقّا.
و الحق أنّ الأمر كذلك، فإنّ التدبّر في محتوى القرآن و التحقيق فيه يغنينا عن
الحاجة إلى أي دليل آخر.
إنّ كتابا لشخص أمي لم يدرس، و في محيط مليء بالجهل و الخرافات، يكون فيه هذا
المحتوى السامي، و العقائد الطاهرة النقية، و التوحيد الخالص، و القوانين المحكمة
المنسجمة، و الاستدلالات القوية القاطعة، و البرامج المتينة البنّاءة،