لكن لا مانع من أن نفسر الآية بمعناها الواسع، فتدخل فيه كلّ هذه المعبودات،
سواء الحية و الميتة، العاقلة و غير العاقلة، فتكون التعابير متناسبة مع ذوي
العقول من باب التغليب.
و عند ما تقول الآية: إنّهم لا يجيبونهم إلى يوم القيامة، فإنّ ذلك لا يعني
أنّهم سيجيبونهم يوم القيامة- ما ظن البعض ذلك- بل إنّ هذا التعبير متداول في
النفي المؤيد، كما نقول مثلا: لو أصررت على فلان إلى يوم القيامة لما أقرضك، أي
أنّه سوف لا يقوم بها العمل أبدا، لا أنّه سيلبي طلبك في يوم القيامة.
و سبب ذلك معلوم أيضا، لأنّ كلّ سعي و جهد و تلبية طلب و قضاء حاجة نافع في
هذه الحياة الدنيا، فإذا انتهت انتهى معها إمكان القيام بكلّ هذه الأعمال.
و الأشد أسفا من ذلك أنّه: وَ إِذا
حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ.
أمّا المعبودات من العقلاء، فإنّهم سيهبون لإظهار عدائهم لهؤلاء الضالين،
فالمسيح عليه السّلام يظهر اشمئزازه و تنفره من عابديه، و تتبرأ الملائكة منهم، بل
و حتى الشياطين و الجن تظهر عدم رضاها. و أمّا المعبودات التي لا عقل لها و لا
حياة، فإنّ اللّه سبحانه سمحها العقل و الحياة لتنطق بالبراءة من هؤلاء العبدة و
تبدي غضبها عليهم.
لقد ورد نظير هذا المعنى في آيات القرآن الأخرى، و من جملتها الآية (14 من
سورة فاطر، حيث تقول: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا
يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَ يَوْمَ
الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. و كررت في الآيات مورد البحث كلّ هذه المسائل بتفاوت
يسير.
لكن كيف ينكر المعبودون عبادة عابديهم، و هي ممّا لا ينكر؟
ربّما كان ذلك إشارة إلى أنّهم كانوا يعبدون أهواءهم في الحقيقة، و لم يكونوا