و ربّما كان هذا هو السبب في أن تضيف الآية مباشرة: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
إنّه نفس التعبير الذي ورد في بداية ثلاث سور من الحواميم، و هي: المؤمن، و
الجاثية، و الأحقاف.
و لا شكّ في الحاجة إلى قوّة لا تقهر، و حكمة لا حد لها، لكي تنزل مثل هذا
الكتاب.
ثمّ تحولت الآيات من كتاب التدوين إلى كتاب التكوين، فتحدثت الآية عن عظمة
السماوات و الأرض و كونهما حقا، فقالت: ما
خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ فلا ترى في كتاب سمائه كلمة تخالف الحق، و لا تجد في مجموع
عالم خلقه شيئا نشازا لا ينسجم و الحق، فالكل منسق منتظم، و كله مقترن بالحق.
لكن، كما أنّ لهذا الكون بداية، فإنّ له نهاية أيضا، و لذلك تضيف الآية: وَ أَجَلٍ مُسَمًّى فإذا حل الأجل ستفنى الدنيا بما فيها، و لما كان هذا العالم مقترنا بالحق و
يسير ضمن منهجه، و له هدف مرجو، فمن الطبيعي أن يوجد عالم آخر تبحث فيه الأعمال و
تعلن فيه النتائج، و بناء على هذا، فإنّ كون هذا العالم حقّا دليل بنفسه على وجود
المعاد، و إلّا فإنّه سيكون لغوا و عبثا لا فائدة فيه، و سيقترن حين ذلك بكثير من
المظالم و المفاسد.
لكن مع أنّ القرآن حق، و خلق العالم حق أيضا: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ فالآيات القرآنية تهددهم و تنذرهم بصورة متلاحقة متوالية،
و تحذرهم بأن محكمة عظمى أمامهم، هذا من جانب، و من جانب آخر فإنّ نظام الخلقة
بدقته و أنظمته الخاصّة يدل بنفسه على أنّ في الأمر حسابا و نظاما، غير أنّ هؤلاء
الغافلين لم يلتفتوا لا إلى هذا و لا إلى ذلك.
كلمة «معرضون»- من الإعراض- تشير إلى أنّ هؤلاء إذا نظروا إلى آيات