اختلفوا، كما يصور القرآن الكريم ذلك في تتمة هذه الآية إذ يقول: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ
الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
نعم، لقد رفع هؤلاء راية الطغيان، و أنشبت كلّ جماعة أظفارها في جسد جماعة
أخرى، و اتخذوا حتى عوامل الوحدة و الألفة و الانسجام سببا للاختلاف و التباغض و
الشحناء، و تنازعوا أمرهم بينهم فذهبت ريحهم و ضعفت قوتهم، و أفل نجم عظمتهم،
فزالت دولتهم، و أصبحوا مشردين في بقاع الأرض ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا.
و قال البعض: إنّ المراد هو الاختلاف الذي وقع بينهم بعد علمهم و اطلاعهم
الكافي على صفات نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
و يهددهم القرآن الكريم في نهاية الآية بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ و بهذا فقد
فقدوا قوتهم و عظمتهم في هذه الدنيا بكفرانهم النعمة، و اختلافهم فيما بينهم، و
اشتروا لأنفسهم عذاب الآخرة.
بعد بيان المواهب التي منّ اللّه تعالى بها على بني إسرائيل، و كفرانها من
قبلهم، ورد الحديث عن موهبة عظيمة أهداها اللّه سبحانه لنبيّ الإسلام صلى اللّه
عليه و آله و سلّم و المسلمين، فقالت الآية: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ.
«الشريعة» تعني الطريق التي تستحدث
للوصول إلى الماء الموجود عند ضفاف الأنهر التي يكون مستوى الماء فيها أخفض من
الساحل، ثمّ أطلقت على كلّ طريق يوصل الإنسان إلى هدفه و مقصوده.
إن استعمال هذا التعبير في مورد دين الحق، بسبب أنّه يوصل الإنسان إلى مصدر
الوحي و رضى اللّه سبحانه، و السعادة الخالدة التي هي بمثابة الماء للحياة
المعنوية.
لقد استعملت هذه الكلمة مرّة واحدة في القرآن الكريم، و في شأن الإسلام فقط.