للمعاد- فتهدد أولئك المشركين من خلال الإشارة إلى قصة قوم تبع، بأنّ ما
ينتظركم ليس العذاب الإلهي في القيامة و حسب، بل سوف تلاقون في هذه الدنيا أيضا
مصيرا كمصير قوم تبّع المجرمين الكافرين، فتقول: أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ.
من المعلوم أنّ سكان الحجاز كانوا مطلعين على قصة قوم تبع الذين كانوا يعيشون
في جوارهم، و لذلك لم تفصل الآية كثيرا في أحوالهم، بل اكتفت بالقول:
أنّ احذروا أن تلاقوا نفس المصير الذي لاقاه أولئك الأقوام الآخرون الذين
كانوا يعيشون قربكم و حواليكم، و في مسيركم إلى الشام، و في أرض مصر. فعلى فرض أن
بإمكانكم إنكار القيامة، فهل تستطيعون أن تنكروا العذاب الذي نزل بساحة هؤلاء
القوم المجرمين العاصين؟
و المراد من الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أمثال قوم نوح و عاد و ثمود.
و سنبحث المراد من قوم تبع، في ما يأتي، إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ تعود الآية التي بعدها إلى مسألة المعاد مرّة أخرى، و تثبت هذه الحقيقة
باستدلال رائع، فتقول: وَ ما خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ[1].
نعم، فإنّ لهذا الخلق العظيم الواسع هدفا، فإذا كان الموت بزعمكم نقطة النهاية
بعد أيام من المأكل و المشرب و المنام و قضاء الشهوات الحيوانية، و بعد ذلك ينتهي
كلّ شيء بالموت، فسيكون هذا الخلق لعبا و لهوا و عبثا، لا فائدة من ورائه و لا
هدف.
و لا يمكن التصديق بأنّ اللّه القادر الحكيم قد خلق هذا النظام و الخلق العظيم
من أجل عدّة أيّام سريعة الانقضاء لا هدف من ورائها، مع ما تقترن به أيّام الحياة
هذه من أنواع الآلام و المصائب و المصاعب، أ فينتهي كلّ شيء بانتهائها!؟ إنّ هذا
[1]- «لاعب» من مادة (لعب)، و يقول
الراغب في المفردات: لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا. و التثنية في
(ما بينهما) من أجل أنّ المراد جنس السماء و الأرض.